(تابع/3)*
بسمِ اللهِ الرَّحمَٰنِ الرّحيم...
7) قبسٌ من صورِ
(الاستشارةِ) في عهْدِ نبيِّنَا عليهِ الصّلاةُ والسّلام!
• ما جاءَ في
غزوةِ بدرٍ، في الحديثِ الذي رواهُ عمرُ بنُ الخطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
"...
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
فَلَمَّا
أَسَرُوا الأُسارىٰ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَعُمَرَ:
((مَا تَرَوْنَ
فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَىٰ؟))
قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللهِ! هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ؛ أَرَىٰ أَنْ
نَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً تَكُونُ لَنَا قُوَّةٌ عَلَىٰ الكُفَّارِ، وَعَسَىٰ اللهُ
أَنْ يَهْدِيَهُمُ إِلَى الْإِسْلَامِ!
فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا تَرَى
يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟))
قُلْتُ: لَا وَاللهِ
يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَرَى الَّذِي رَأَىٰ أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَىٰ
أَنْ تُمَكِّنَنا فَنَضْرِبَ أعناقَهُم، فتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ؛
فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وتُمكِّنَني مِنْ فُلانٍ فأضربَ عُنُقَهُ -نسيبٍ كَانَ
لِعُمَرَ- فَإِنَّ هَؤُلَاءَ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا!
فَهَوِيَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ
يَهْوَ مَا قُلْتُ!
فَلَمَّا
كَانَ الْغَدُ جِئْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ!
فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟
فَإِنْ
وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكاءً تَبَاكَيْتُ لبُكائِكُما!
فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَبْكِي
لِلَّذِي عَرَضَ عليَّ أصحابُكَ مِنْ أَخْذِهِم الفِداءَ))!
وَأَنْزَلَ اللهُ:
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}
إِلَى قَوْلِهِ:
{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 67 - 69]
فَأَحَلَّ
اللهُ الغنيمةَ!"[1]
• وَعَن
معاويةَ بن جاهِمةُ أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَىٰ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ!
أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ.
فَقَالَ: ((هَلْ
لَكَ مِنْ أُمٍّ؟))
قَالَ:
نَعَمْ.
قَالَ: ((فَالْزَمْهَا
فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلِهَا))[2]!
• جاءَ في
إحدىٰ الرّاوياتِ: (هَلَكَتِ الرِّجَالُ حِينَ أطَاعَتِ النِّسَاءَ).
وقدْ ضعَّفَهُ
والدي -رحمهُ اللهُ- في "سلسلة الأحاديث الضّعيفة، رقم: (5436).
ثمَّ قالَ
معقّبًا علىٰ تضعيفِهِ:
"ثمَّ إنَّهُ
ليسَ معنَاهُ صحيحًا علىٰ إطلاقِهِ؛ فقد ثبتَ في قصِّةِ (صلحِ الحديبيةِ)، من "صحيح
البخاريّ"، (5/ 365)؛ أنَّ أمَّ سلمةَ رضيَ اللهُ عنها؛ أشارتْ علىٰ النَّبيِّ
صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّمَ؛ حينَ امتنعَ أصحابُهُ مِنْ أنْ ينْحَرُوا هديَهُمْ أنْ
يخرُجَ صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ولا يكلِّمَ أحدًا منهُمْ كلمةً حتىٰ ينحرَ بُدْنَهُ
ويحلِقَ، ففَعَلَ صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فلمَّا رأىٰ أصحابُهُ ذَٰلكَ قامُوا
فنحَرُوا!
ففيهِ أنَّ النَّبيِّ
صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّمَ أطاعَ أمَّ سلمةَ فيما أشارتْ بهِ عليهِ؛ فدلَّ علىٰ
أنَّ الحديثَ ليسَ علىٰ إطلاقِهِ، ومثلُهُ الحديثُ الذي لا أصلَ لهُ:
(شَاوروهُنَّ
وخالفوهُنَّ). وقد تقدم برقم (430)". انتهىٰ.
وأسوقُ جزءًا
منَ الرّوايةِ-التي قصدَها الوالدُ رحمهُ اللهُ- بنصِّهَا؛ لبلاغتِهَا!
"قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ:
((قُومُوا فَانْحَرُوا،
ثُمَّ احْلِقُوا)).
قَالَ: فَوَاللهِ
مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ!
فَلَمَّا لَمْ
يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى (أُمِّ سَلَمَةَ)، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ
مِنَ النَّاسِ!
فَقَالَتْ أُمُّ
سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَتُحِبُّ ذَٰلِكَ! اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ
أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ
فَيَحْلِقَكَ!
فَخَرَجَ،
فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ؛ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ،
وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ.
فَلَمَّا
رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا؛
حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا!"[3]
"غَمًّا:
أي: ازْدِحَامًا![4]"
اهـ
وصلَّىٰ اللهُ
علىٰ نبيِّنَا محمَّدٍ وعلىٰ آلِهِ وسلَّمَ.
~ ~ ~
الثّلاثاء: 22/شهر
الله المحرَّم/ 1435هـ
[1] - قالَ عنْهُ الوالدُ -رحمهُ اللهُ-:"حسن".
"التّعليقات الحسان علىٰ صحيح ابنِ حبّان"، كتاب السّير، باب الخروج وكيفيّة
الجهاد، رقم (4773).
[2] - رواهُ أحمدُ والنَّسائيُّ والبيهقيُّ -رحمهمُ
اللهُ-، وقالَ عنْهُ الوالدُ -رحمهُ اللهُ-:"إسنادُهُ جيّد". "مشكاة المصابيح"، كتاب الآداب، باب
البرِّ والصّلة، رقم (4939).
[3] - تُنظر الرّواية بطولِهَا وتمامِها في
"صحيح البخاريَ"، كتاب الشّروط، بَابُ الشُّرُوطِ فِي الجِهَادِ والـمُصالَحَةِ
مَعَ أَهْلِ الحَرْبِ وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ، الحديث رقم: (2731).
[4] - "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري".
(4/ 451). وفي اللّغة: "(غَمَّ): الْغَيْنُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ
صَحِيحٌ؛ يَدُلُّ عَلَى تَغْطِيَةٍ وَإِطْبَاقٍ" اهـ. "معجم مقاييس
اللّغة". (4/377).