فِي مَشْرُوعِيَّةُ (الِاضْطِجَاعِ عَلَى اليَمينِ) بَينَ سُنَّةِ الفَجْرِ وَفَرْضِهِ



بسم اللهِ الرَّحمن الرَّحيم
فِي مَشْرُوعِيَّةِ (الِاضْطِجَاعِ عَلَى اليَمينِ)
بَينَ سُنَّةِ الفَجْرِ  وَفَرْضِهِ

الحمدُ للهِ، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ على رسولِ اللهِ، وبعدُ:
مِنْ أدلَّةِ مشروعيّةِ وسُنِّيَّةِ (الِاضْطِجَاعِ عَلَى اليَمينِ)
بَعَدَ سُنَّةِ الفَجْرِ  قَبْلَ فَرْضِهِ
 (1) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ؛ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ)).
رواهُ التّرمذيُّ وغيرُه، وصحَّحَهُ الوالدُ -رحمَهُمُ اللهُ-. "سنن التّرمذيّ"، بابُ ما جَاء في الِاضْطِجاع بعدَ رَكعتَيِ الفجر، (420).

(2)  رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْها:
(أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ فِي "بَيْتِهِ"؛ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ).
المصدرُ السَّابق.

(3) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها:
(أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا؛ اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤْذَنَ بِالصَّلاَةِ).
"صحيح البخاريّ". كتاب التّهجّد، بابُ مَنْ تَحَدَّثَ بَعدَ الرَّكْعَتَيْنِ ولَمْ يَضْطَجِعْ، (1167).

(4) وَعَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْها،قَالَتْ:
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بالأوِّلِ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، بَعْدَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ).
متَّفقٌ عليه.

(5) وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:
(كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ -وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ- إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ، وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ).
"صحيح مسلم"، كتابُ صلاة المسافرين وقَصْرُها، بَابُ صَلَاةِ اللَّيلِ، وعَدَدِ رَكَعَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اللَّيلِ، وَأَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةٌ، وأَنَّ الرَّكعَةَ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ، (122 - (736).

(6) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:
(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ -تَعْنِي بِاللَّيْلِ- فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ المُؤَذِّنُ لِلصَّلاَةِ»
"صحيح البخاريّ"، كتابُ أبوابِ الوتر، بابُ ما جَاءَ في الوتر، (994).


مِنْ أَقْوَالِ العُلَمَاءِ في مشْروعيّةِ (الِاضْطِجاعِ بَعْدَ سُنّةِ الفجْرِ)
وهَلْ يكونُ فِي (البَيتِ)، أمْ فِي (الـمَسْجِدِ)؟
"شرح النُّوويّ على مسلم"، (6/ 19):
"فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي (الْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ)" اهـ‍  
[أيِ الحَديثَ رقم: (1)]. 

"تُحْفَة الأحوذيّ"، (2/ 394):
"(فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ): هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي مَشْرُوعِيَّةِ (الِاضْطِجَاعِ) بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ لِكُلِّ أَحَدٍ: الْمُتَهَجِّدِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْحَقُّ!.." اهـ‍ 

  "مُصنَّفُ عبدُ الرَّزَّاق الصَّنعانيِّ "، (3/ 42):
"عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: (كَانُوا يَضْطَجِعُونَ عِنْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَيَأْمُرُونَ بِذَلِكَ)!" اهـ‍
ونقلَهُ الإمامُ ابنُ القيّم  -رحمَهُ اللهُ- في "زَادِ الْمَعَادِ في هَدْي خَيرِ العِبَاد". في (فَصْلٍ فِي اضْطِجَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ).


"فتح الباري"، (3/ 44):
"وذَهَبَ بَعْضَ السَّلَفِ إِلى اسْتِحْبَابِها في (البَيتِ) دُونَ (الـمَسْجِدِ)" اهـ‍

"مرقَاة المفَاتيح شرْح مِشكَاة المصَابيح"، (3/ 901):
"..وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ، فَلَا وَجْهَ; لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي (السُّنَّةَ) فِي (الْبَيْتِ) وَ(الْفَرْضَ) فِي (الْمَسْجِدِ)" اهـ‍

وفي "تُحْفة الأحوذِيّ"، (2/ 396)؛ تعليقًا على الرّواية رقم (2):
"وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى (اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ) فِي (الْبَيْتِ) دُونَ (الْمَسْجِدِ).
وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوَّاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ في (الْـمَسْجِدِ)، وصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ مَنْ يَفْعَلُهُ فِي(الْـمَسْجِدِ). فِي هَذَا الْبَابِ مُطْلَقٌ؛ فَبِإِطْلَاقِهِ يَثْبُتُ اسْتِحْبَابُ (الِاضْطِجَاعِ)  في (الْبَيْتِ) وفي (الْمَسْجِدِ)؛ وَإِنَّمَا لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي (الْمَسْجِدِ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي (سُنَّةَ الْفَجْرِ) فِي (الْبَيْتِ)، فَكَانَ يَضْطَجِعُ فِي (الْبَيْتِ)" اهـ‍

وقَالَ وَالدِي -رَحِمَةُ اللهُ عَلَيه-: في حاشيةِ كتابِهِ: "صَلَاة التَّراويح"؛ مُعلِّقًا على الرّوايةِ رقْم: (5):
"هَذَا دَليلٌ صَرِيحٌ في مَشْرُوعِيَّةِ (الِاضْطِجَاعِ) بَينَ سُنَّةِ الفَجْرِ وَفَرْضِهِ.
وَلَكِنْ؛ لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ فَعَلَهُ في (الْمَسْجِدِ)؛ بَلْ قَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ. 
فَيُقْتَصَرُ عَلَى فِعْلِهِ في (الْبَيْتِ)؛  كَمَا هُوَ (سُنَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ)" اهـ‍
 (ص: 103)،  ط2 (1431هـ‍)، مكتبة المعارف، الرّياض.

في مَعْنَى:
(اضْطَجَعَ): "(ضَجَعَ): الضَّادُ وَالْجِيمُ وَالْعَيْنُ؛ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى لُصُوقٍ بِالْأَرْضِ عَلَى جَنْبٍ..." اهـ‍  "مقاييس اللُّغة"، (3/ 390).

(عَلَى شِقِّهِ): "..الشِّقُّ: النّاحِيَةُ وَالجَانبِ" اهـ‍  "لِسَانُ العَرب"، (10/ 181).

(الْأَيْمَنِ)؛ أَيْ: مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ" اهـ‍ "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، (3/ 902)
واللهُ تَعالى أعلم.
وفَّقَنا اللهُ لِلْعِلْمِ والعَمَلِ بِسُنَّتِهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلام.
سُبحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إلَّا ما عَلَّمْتَنا
وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّم.
- - -
أعدَّتْهُ: حسَّانَة
الخميس 14 صَفَر 1437هـ‍



"شَرَفُ (الـمُحَدِّثِ) وَالوَاجبُ عَلى مَنْ خَصَّهُ اللهُ بِـهذِهِ الـمَرْتَبَةِ"!.. للخَطِيبِ البغدَاديِّ، رَحِمَهُ اللهُ



بسم اللهِ الرَّحمن الرَّحيم
"شَرَفُ (الـمُحَدِّثِ) وَالوَاجبُ عَلى مَنْ خَصَّهُ اللهُ بِـهذِهِ الـمَرْتَبَةِ"!

• قالَ الخَطيبُ البغدَاديُّ -رحمَهُ اللهُ-:
"وَكَفَى (الْمُحَدِّثَ) شَرَفًا أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ مَقْرُونًا بِاسْمِ (رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ)!
 وَذِكْرُهُ مُتَّصِلًا بِذِكْرِهِ!
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد: 21].
وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ، وَبَلَّغَهُ إِلَى هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ؛ أَنْ:
يَبْذُلَ مَجْهُودَهُ فِي تَتَبُّعِ (آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ وَسُنَّتِهِ)!
وَطَلَبِهَا مِنْ مَظَانِّهَا!
وَحَمْلِهَا عَنْ أَهْلِهَا!
 وَالتَّفَقُّهِ بِهَا وَالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهَا!
 وَالْبَحْثِ عَنْ مَعَانِيهَا!
وَالتَّأَدُّبِ بِآدَابِهَا!
 وَيَصْدِفَ عَمَّا يَقِلُّ نَفْعُهُ وَتَبْعُدُ فَائِدَتُهُ؛ مِنْ طَلَبِ الشَّوَاذِّ وَالْمُنْكَرَاتِ! وَتَتَبُّعِ الْأَبَاطِيلِ وَالْمَوْضُوعَاتِ!
وَيُوَفِّيَ الْحَدِيثَ حَقَّهُ مِنَ (الدِّرَاسَةِ وَالْحِفْظِ وَالتَّهْذِيبِ وَالضَّبْطِ)!
وَيَتَمَيَّزَ بِمَا تَقْتَضِيهِ حَالُهُ, وَيَعُودُ عَلَيْهِ زَيْنُهُ وَجَمَالُهُ!

• قَالَ مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:
«إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَسْمَعُ الْعِلْمَ الْيَسِيرَ؛ فَيَسُودُ بِهِ أَهْلَ زَمَانِهِ!
يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي: صِدْقِهِ، وَفِي وَرَعِهِ!
وَإِنَّهُ لَيَرْوِي الْيَوْمَ خَمْسِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ؛ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى قَلَنْسُوَتِهِ!» اهـ‍  باختصار سندِ أثر مَخْلد.
"الكفاية في علم الرّواية"، (ص: 6)، المكتبة العلميّة، المدينة النّبويّة.
- - -
الأحد 10 صَفَر 1437هـ‍