من ميمية ابن القيّم

بسم الله الرحمن الرحيم
 
من (ميميّة ابن القيّم) -رحمهُ اللهُ تعالى-:
(معَ الحجيجِ من الإحرامِ إلى الرّحيلِ)! 
والقصيدةُ -من مطلعِهَا إلى خاتمتِهَا- بليغةٌ لفظًا ومعنًى!
لكنّي اخترتُ منها الأبيات التي سبكَهَا -رحمهُ اللهُ- بدموعِ المشاعرِ، واصفًا حجّاجَ بيتِ اللهِ، وأعمالهمْ في (الحجّ)؛ بل وأحاسيسَهمْ، خطوةً خطوةً!
وقد قسّمتُها إلى مقاطعَ بإضافةِ عناوينَ لها، لنركّزَ على المعاني!
 
تأهّبُ وفد الحجيجِ للحجِّ!
أمَا وَالذِي حَجَّ الْمُحِبُّونَ بَيْتَهُ ....... وَلبُّوا لهُ عندَ المَهَلِّ وَأحْرَمُوا!
وقدْ كَشفُوا تِلكَ الرُّؤوسَ توَاضُعًا ....... لِعِزَّةِ مَن تعْنو الوُجوهُ وتُسلِمُ!
يُهلُّونَ بالبيـــــــــداءِ لبيــــــــك ربَّنا ....... لكَ المُلكُ والحَمْدُ الذي أنتَ تَعْلمُ!
دعاهُمْ فلبَّوْهُ رِضًا ومَحَبَّةً ....... فلمَّا دَعَوهُ كان أقربَ منهمُ!
ترَاهُمْ على الأنضاءِ شُعْثًا رؤوسُهُمْ ....... وغُبْرًا وهُمْ فيها أسَرُّ وأنْعَمُ!
وَقدْ فارَقوا الأوطانَ والأهلَ رغبةً ....... ولم يُثنِهِمْ لذَّاتُهُمْ والتَّنَعُّمُ!
يَسِيرونَ مِن أقطارِها وفِجاجِها ....... رِجالا ورُكْبانا ولله أسْلمُوا!
ولمَّا رأتْ أبصارُهُم بيتَهُ الذي ....... قلوبُ الوَرَى شوقًا إليهِ تَضَرَّمُ!
كأنهمُ لمْ يَنْصَبُوا قطُّ قبْلهُ ....... لأنَّ شَقاهُمْ قد ترحَّلَ عنْهُمُو!
فلِلَّهِ كمْ مِن عَبْرةٍ مُهْرَاقةٍ ....... وأخرى على آثارِها لا تَقَدَّمُ!
وَقدْ شَرِقتْ عينُ المُحِبِّ بدَمْعِها ....... فينظرُ مِن بينِ الدُّموعِ ويُسْجِمُ!
إذا عَايَنَتْهُ العَيْنُ زالَ ظلامُها ....... وزالَ عن القلبِ الكئيبِ التألُّمُ!
فمِنْ أجلِ ذا كلُّ القلوبِ تُحِبُّهُ ....... وتَخْضَعُ إجْلالا لهُ وتُعَظِّمُ!
 
الحجّاجُ في (يومِ عرفةَ)!
ورَاحُوا إلى التَّعْريفِ يَرْجُونَ رحمةً ....... ومغفرة مِمَّن يجودُ ويُكرِمُ!
فلِلهِ ذاكَ الموقفُ الأعظمُ الذي ....... كموقفِ يومِ العَرْضِ بلْ ذاكَ أعظمُ!
ويدْنُو بهِ الجبّارُ جَلَّ جلالُهُ ....... يُباهِي بهمْ أمْلاكَه فهو أكرَمُ!
يقولُ عِبادِي قدْ أتونِي مَحَبَّةً ....... وَإنِّي بهمْ بَرٌّ أجُودُ وأرْحَمُ!
فأشْهِدُكُمْ أنِّي غَفَرْتُ ذنُوبَهُمْ ....... وأعْطيْتُهُمْ ما أمَّلوهُ وأنْعِمُ!
فبُشراكُمُ يا أهلَ ذا المَوقفِ الذِي ....... به يَغفرُ اللهُ الذنوبَ ويَرحمُ!
فكمْ مِن عتيقٍ فيه كَمَّلَ عِتقهُ ....... وآخرَ يَسْتسعَى وربُّكَ أرْحَمُ!
ومَا رُؤيَ الشيطانُ أغيظَ في الوَرَى ....... وأحْقرَ منهُ عندها وهو ألأَمُ!
وَذاكَ لأمْرٍ قد رَآه فغاظهُ ....... فأقبلَ يَحْثُو التُّرْبَ غَيْظا وَيَلطِمُ!
وما عاينتْ عيناه مِن رحمةٍ أتتْ ....... ومغفرةٍ مِن عندِ ذي العرْشِ تُقْسَمُ!
بَنَى ما بَنى حتى إذا ظنَّ أنه ....... تمَكَّنَ مِن بُنيانِهِ فهو مُحْكَمُ!
أتَى اللهُ بُنيَانًا له مِن أساسِهِ ....... فخرَّ عليه ساقطا يتهدَّمُ!
وَكمْ قدْرُ ما يعلو البناءُ ويَنْتهي ....... إذا كان يَبْنِيهِ وذو العرش يهدِمُ!
 
الحجّاجُ في (مزدلفة ويوم النّحرِ)!
وراحُوا إلى جَمْعٍ فباتُوا بمَشعَرِ الْـ ....... ـحَرَامِ وصَلَّوْا الفجْرَ ثمَّ تقدَّموا!
إلى الجَمْرةِ الكُبرَى يُريدون رَمْيَها ....... لوقتِ صلاةِ العيدِ ثمَّ تيَمَّمُوا!
منازلَهمْ للنحْرِ يَبغونَ فضلَهُ ....... وإحياءَ نُسْكٍ مِن أبيهمْ يُعَظَّمُ!
فلوْ كان يُرضِي اللهَ نَحْرُ نفوسِهمْ ....... لدانُوا بهِ طوْعًا وللأمرِ سلَّمُوا!
كما بَذلُوا عندَ الجِهادِ نُحورَهُمْ ....... لأعدائِهِ حتَّى جرَى منهمُ الدَّمُ!
ولكنَّهمْ دانُوا بوضْعِ رؤوسِهمْ ....... وذلِكَ ذلٌّ للعبيدِ ومَيْسَمُ!
ولمَّا تقضَّوْا ذلكَ التَّفَثَ الذِي ....... عليهمْ وأوْفَوا نذرَهُمْ ثمَّ تَمَّمُوا!
دعاهُم إلى البيتِ العتيقِ زيارةً ....... فيَا مرحَبًا بالزائِرين وأكرمُ!
فلِلهِ ما أبْهَى زيارتَهُمْ لهُ ....... وقدْ حُصِّلتْ تلكَ الجَوائزِ تُقْسَمُ!
وَللهِ أفضالٌ هناكَ ونِعْمَةٌ ....... وبِرٌّ وإحْسَانٌ وجُودٌ ومَرْحَمُ!
 
الحجّاجُ في أيّامِ (مِنى)!
وعادُوا إلى تلكَ المنازلِ مِن مِنَى ....... ونالُوا مناهُمْ عندَها وتَنَعَّمُوا!
أقامُوا بها يومًا ويومًا وثالثًا ....... وأذِّنَ فِيهمْ بالرحيلِ وأعْلِمُوا!
وراحُوا إلى رمْيِ الجمارِ عَشِيَّةً ....... شعارُهُمُ التكْبيرُ واللهُ معْهُمُو!
فلو أبْصرَتْ عيناكَ موقفَهمْ بها ....... وَقدْ بسَطوا تلكَ الأكفَّ لِيُرْحَمُوا!
ينادونَهُ يا ربِّ يا ربِّ إننا ....... عبيدُكَ لا ندْعو سواكَ وتَعْلمُ!
وها نحنُ نرجو منكَ ما أنتَ أهلُهُ ....... فأنتَ الذي تُعْطِي الجزيلَ وتُنْعِمُ!
 
الحجّاجُ في (طوافِ الوداعِ)!
ولمَّا تقضَّوْا مِن مِنًى كلَّ حاجةٍ ....... وسالتْ بهمْ تلكَ البِطاحُ تقدَّموا!
إلى الكعبةِ البيتِ الحَرامِ عشيةً ....... وطافُوا بها سبْعًا وصَلوْا وسَلَّمُوا!
ولمَّا دَنا التوْدِيعُ منهمْ وأيْقنُوا ....... بأنَّ التدَانِي حبْلُهُ مُتَصَرِّم!ُ
ولمْ يبقَ إلا وقفةٌ لِمُوَدِّعٍ ....... فلِلهِ أجفانٌ هناكَ تُسَجَّمُ!
وللهِ أكبادٌ هنالِكَ أُودِعَ الْـ ....... ـغرامُ بها فالنارُ فيها تَضرَّمُ!
وللهِ أنفاسٌ يكادُ بِحَرِّها ....... يذوبُ المُحِبُّ المُسْتهَامُ المُتيَّمُ!
فلمْ ترَ إلا باهِتًا مُتَحَيِّرًا ....... وآخرَ يُبْدِي شجوَهُ يَترَنَّم!ُ
 
ألمُ المشاعرِ عندَ الرّحيلِ!
رَحَلتُ وأشْواقِي إليكمْ مُقِيمَةٌ ....... ونارُ الأسَى مِنِّي تَشُبُّ وتَضْرمُ!
أوَدِّعُكُمْ والشوقُ يُثنِي أعِنَّتِي ....... وقلبيَ أمْسَى فِي حِماكُمْ مُخَيِّمُ!
هنالِكَ لا تَثْريبَ يومًا عَلىَ امرئٍ ....... إذا ما بَدا منهُ الذي كانَ يَكْتُمُ!
فيَا سائِقينَ العِيسَ باللهِ ربِّكمْ ....... قِفوا لِي على تلكَ الرُّبوعِ وسَلِّمُوا!
وقولوا مُحِبٌّ قادهُ الشوقُ نحوكُمْ ....... قضَى نحبَهُ فيكُمْ تَعِيشُوا وَتسْلمُوا!
قضَى اللهُ ربُّ العرشِ فيمَا قضَى بهِ ....... بأنَّ الهوَى يُعمِي القلوبَ ويُبْكِمُ!
وحُبُّكُمُ أصْلُ الهَوَى ومَدَارُهُ ....... عليهِ وفوزٌ للمُحِبِّ ومَغْنَمُ!
وتفنَى عِظامِ الصَّبِّ بعدَ مَماتِهِ ....... وأشواقُهُ وقْفٌ عليهِ مُحَرَّمُ!
~~~ 
السبتُ/11/ذو الحجّة/1433هـ

فضلُ صيامِ يومِ عرفةَ

بسمِ اللهِ الرّحمن الرّحيم
فضلُ صيامِ يومِ عرفةَ
(لغير الحاجّ)
 
قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ:
((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ))! (1)
 
وفي روايةٍ:
((يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ))!(2)

وعن سَهْلِ بنِ سعدٍ؛ رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ:
قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ:
((منْ صامَ يومَ عرفةَ؛ غُفِرَ لَهُ ذنبُ سنَتَينِ مُتَتابِعَتَينِ))! (3)
 
 
 
(1) و(2): الرّوايتانِ عن أبي قتادةَ الأنصاريِّ؛ رضيَ اللهُ عنهُ.
يُنظرُ تمامُهُمَا في: "صحيح مسلم"، كتابُ الصّيامِ، بابُ استحبابِ صيامِ ثلاثة ِأيّامٍ من كلِّ شهر، الحديث رقم: (1162).
(3) قال عنه الوالد: "صحيح". يُنظر: "صحيح التّرغيب والترهيب" كتابُ الصّومِ، التّرغيب في صيام يوم عرفة لمن لم يكن بها، الحديث رقم: (1012)
~~~
الثّلاثاء/7/ ذو الحجّة/1433هـ

دروسٌ في التّجويدِ العمليِّ

دروسٌ في التّجويدِ العمليِّ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصّلاةُ والسّلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلينَ؛ أمّا بعدُ:
فعَنْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))
(رواه البخاري وغيره)
وبحولِ اللهِ  تعالى سأخصّصُ في هذا القسمِ؛ دروسًا لتقريبِ كيفيّة أداءِ بعضِ أحكامِ (التّجويدِ) للمبتدئينَ، وذلك براويةِ حفصٍ عن عاصمٍ من طريقِ الشّاطبيّةِ.
 حريصةً -في ذلك- على تيسيرِهَا بالقدْر الّذي يتحقّقُ معه المرغوبُ؛ ولا يُخلُّ بالمطلوبِ، إن شاء الله.
ومن جهة أخرى:
فالتّجويدُ (النّظريُّ) مبسوطٌ في كثيرٍ من كتبِ التّجويدِ للمتقدّمينَ والمتأخّرينَ
أمَّا (العمليُّ) فقد لا يجدْهُ طلاّبُ هذا العلم موسَّعًا مفصًّلاً في الكتب؛ لذا كان (توضيحُهُ) من أهدافي الأساسيّة من هاتِهِ الدّورسِ
وعليهِ؛ فالطّريقةُ -العامّةُ- التي سأسيرُ عليها -إن شاء اللهُ-:
1) أضع القاعدةِ النّظريّة للحكمِ التّجويديِّ، وذلكَ بناءً على ما اصطلحَ عليه أهلُ العلمِ في هذا البابِ، وأختارُ منها ما يفي بالمقصود من الدّرسِ.
2) أبيّنُ الخطواتِ العمليّةَ الـمُوْصِلةَ للأداءِ الصّحيحِ، وذلك بطرحِ نقاطٍ عمليّةٍ للوصولِ إلى تلاوةٍ متقنةٍ -قدْرَ وسعي-، وهي الطّريقةُ نفسُهَا التي نستخدمُهَا مع الطّالباتِ في تفهيمِ التّجويدِ؛ لئلاَّ يكون ثمّةَ فصلٌ بين النّظريّ والعمليّ؛ وأكتبُهَا هنا لتعيمِ الفائدةِ.
فأشرعُ مستعينةً باللهِ تعالى.
 
الدّرسُ الأوّلُ
كيفيّةُ أداءِ حكمِ الغنّةِ في (النّون والميم المشدّدتين)
نّ- مّ
تمهيد:
تعريفُ الغنّة:
"لغة: صوت أغَنّ يخرج من: الخيشوم؛ لا عمل للّسان به
اصطلاحًا: صوت أغنّ مركبٌ في جسمِ النّون -ولو تنوينًا- والميم مطلقًا" ا.ه
يُنظر: "هداية القاري في تجويد كلام الباري"
 
 
ومعنى: (لا عمل للّسان به)؛ أي: صوت الغنّة يخرج من الخيشوم فقط، ولا يشاركه أدنى عمل للّسان، بحيث لو لم نحرّك اللّسان لبقي صوتُ الغنّة، ولو أغلقنا الخيشوم بالكلّيّة لانقطع صوت الغنّة بالكلّيّة.
وبتعبير آخر: لا يحتاج إخراج صوت الغنة لمشاركة اللّسان؛ فصوتها يخرج بالضّغط على موضعِ الخيشومِ فقط، فهي صوت فقط.
 
حروفها: اثنان:
1) ن
2) م
 
كيف نطبّق حكمَ (الغنّة) عند نطق النّون المشدّدة؟
نّ: عبارة عن حرفين: (نْ ن)؛ فـ:
أ- ننطق النّون الأولى (السّاكنة) بقرعِ طرفِ اللّسانِ للثةِ الثّنيّتين العُلْيَيَن (مخرج النّون)
ب- نخرج صوت الغنّة بالضّغط على الخيشوم، طيلة نطق النّون
جـ - نعطيها زمنًا يضبط بالمشافهة
وهو زمن أطول من زمن النّون وهي مخفّفة (غير مشدّدة)
أيْ: نتريّث ولا نستعجل؛ بل نقف هنيهة إلى حين انتهاء زمن الغنّة. 
(كل هذه الأعمال "أ-ب-ج" مشتركة في وقت وزمن واحد، إنّما فصّلتُها لأجلِ توضيح النّقاطِ الأساسيّةِ التي لو أتى بها القارئ لوصل للأداء العمليّ المتقن؛ بإذن الله)
دـ- عندما ينتهي زمن الغنّة في النّونِ (الأولى) ننطقُ النّونَ (الثّانيةَ)، حسب حركتها.
 
كيف نطبّق حكمَ (الغنّة) عند نطق الميم المشدّدة؟
مّ: عبارة عن حرفين: (مْ م)؛ فـ:
أ- ننطق الميم الأولى (السّاكنة) بإطباق الشفتين (بتصادمهما معًا) من غير ضغط زائد. (مخرج الميم)
ب- نخرج صوت الغنّة بالضّغط على الخيشوم، طيلةَ نطقِ الميم
جـ - نعطيها زمنًا يضبط بالمشافهة
وهو زمن أطول من زمن الميم وهي مخفّفة (غير مشدّدة)
د- عندما ينتهي زمن الغنّة، ننطقُ الميمَ (الثانيةَ) حسب حركتها.
 
فنلاحظُ:
أن طريقة أداء (الغنّة) في النّون والميم، واحدة، إلاّ أنَّ المخرج مختلف.
 
التّطبيق:
نطبّق حكم (الغنّة) في (النّون المشدّدة) على سورة "النّاس".
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}
وقد أتتْ في الكلمات التّالية:
النَّاسِ
الْخَنَّاسِ
الْجِنَّةِ.
فكلّما نطقنا نونًا مشدّدة؛ نطقنا معها الغنّة بزمن ينضبط بالمشافهة.
............................
نطبّق حكم (الغنّة) في (الميم المشدّدة) على الكلمات القرآنية التّالية:
أمَّا
عَمَّ
مُحَمَّدٌ
فَأُمُّهُ
فكلّما نطقنا ميمًا مشدّدة؛ نطقنا معها الغنّة بزمن ينضبط بالمشافهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخلاصةُ:
كلمّا مررنا بكلمة في القرآن الكريم فيها (نّ) أو (مّ) مشدّدة
نقف عند الحرف (الأوّل) برهة من الزّمن إلى حين الانتهاء من زمن الغنّة
والأمرُ يسيرٌ، إن شاءَ اللهُ
فقط يحتاجُ إلى الأخذ بالأسبابِ، من التّركيز والدّربة
وما توفيقنا إلاَّ بالله.
~ ~ ~
الأحد/28/ذو القعدة/ 1433ه
أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ؟!
-رضيَ اللهُ عنهُمَا-
حياؤُها وخدمَتُهَا لبيتِها...
 
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا أثرٌ عن (أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ) رضيَ اللهُ عنهُمَا...
تصفُ فيهِ خدمتَها لبيتِها!...
ويتجلَّى فيه حياؤُهَا!...
وأمورٌ أخرى بليغةٌ.. تُعتَبَرُ مدرسةً لكلِّ امرأةٍ تأمّلَتْ وتدبَّرَتْ!
 
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ:
(تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ (مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ)! وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ!
فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي المَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ، وَأَعْجِنُ!
وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ!
وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ -الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِي! وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ!
فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: ((إِخْ إِخْ)) (1) لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ! وَذَكَرْتُ (الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ) وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ!
فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ، فَمَضَى!
فَجِئْتُ (الزُّبَيْرَ) فَقُلْتُ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَنَاخَ لِأَرْكَبَ، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ، وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ!
فَقَالَ: وَاللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ!
قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ (أَبُو بَكْرٍ) بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ تَكْفِينِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي!). (2)
~ ~ ~
أسألُهُ تعالى أن يجمعَني بها في الفردوسِ الأعلَى!
~ ~ ~
(1) ":لَفْظَةُ إِخْ إِخْ -بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الخاءِ المُعجَمَةِ- كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلْبَعِيرِ لِيَبْرُكَ" ا.هـ  باختصار من "شرح النّوويّ على مسلم"
(2) أخرجه البخاريّ ومسلم وغيرهما.
....
الجمعة/ 19/ ذو القعدة/1433هـ