الصِّيامُ والقُرْآنُ! (مناجاةٌ)

  الصِّيامُ والقُرْآنُ!
(مناجاةٌ)
نظمُ:
حسَّانة بنت محمّد ناصر الدّين الألبانيّ

بسم الله الرحمن الرحيم...
الحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على خاتم الأنبياءِ والمرسلينَ، أمّا بعدُ:
فهذهِ أبياتٌ يسيرةٌ جدًّا، نظمتُها لـمّا رأيتُ تسارعَ انصرامِ أيّام شهرِ (رمضان)؛ شهرِ (الصّيامِ والقرآنِ)، والمرءُ لـمّا يقُمْ بهما كما ينبغي! فلا يجدُ لهُ ملجأً إلاّ ربَّهُ، يناجيهِ! فقلتُ:
ربَّاهُ يا ذَا الفضْــــــــــــلِ والإِحْسَـــــــــــــانِ!
يا مُـــــــــنْزِلَ الــــــــقُرْآنِ ذِي الفُرْقَــــــــــــــانِ!

أَكْرِمْ بِصَومٍ عَــــــــــــــــامِرِ الغُفْـــــــــــــــــــــرَانِ
والعِتْقِ -ليلاً- من لَـــــــــظَى النِّـــــيـرَانِ!

وامْنَـــــحْ فُؤَادِي صُــــــحْبَةَ القُــــــــــــــــرْآنِ
في اللّــــــــــيلِ والإِبْكــــَــــــــــارِ بالتّبْيَـــــــــانِ!

فــــــــــالصّـــــــومُ والقُــــــــــرْآنُ للإِنْسَـــــــــــــانِ
يَشْفَعْنَ -في الأُخْرَى- لَدَى الرَّحمَـنِ!

فاجْعَلْهُـــــــــمُ يا رَبِّ! مِن أَعْــــــــــــــــواني
في عِيشَـــــــــتِي تَجْلُو بِهِمْ أَحْـــــــــــــــــــزَانِي!
~ ~ ~
تمّتْ على بحر (الرّجز) -قدر استطاعتي-
بتاريخ: الإثنين/ 18/ رمضان/1433هـ.
سائلةً اللهَ عزّ وجلّ أن يجعلَنا ممّن يشفعُ لهم الصّيامُ والقرآنُ، يوم نلقاهُ جلَّ جلالُه.

تأصيلُ الأبياتِ
لا أبلغَ ولا أنفعَ من أن يكون كلامنا نابعًا من الكتاب والسّنّة؛ لذا، فهذا تأصيلٌ استندتُ عليهِ في بناءِ بعض كلماتِ ومعاني تلكَ الأبياتِ:
- البيتُ الأوّلُ:
قوله تعالى:
{وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[البقرة:105]
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1].
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} الآية.[البقرة:185].

- البيتُ الثّاني:
قوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّمَ:
((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) [متّفق عليه]
وقوله عليه الصّلاةُ والسّلامُ:
((إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ مَرَدَةُ الجِنِّ، وغُلِّقتْ أَبوَابُ النَّارِ؛ فَلَمْ يُفتح مِنْهَا بَابٌ! وفُتِحَت أَبوَابُ الجنَّةِ؛ فَلَمْ يُغلق مِنهَا بَابٌ! وَيُنادي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبَلْ! وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ! وَللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ, وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ))!
[قال عنه الوالد -رحمه الله-: "حسن صحيح". يُنظر: "التّعليقات الحسان على صحيح ابن حبّان"، كتاب الصّوم، باب: فضل رمضان، رقم الحديث: 3426].

البيتُ الثّالثُ:
قوله تعالى:
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:29]
فمرادي من كلمة (بالتّبيان) أي: بالتّدبّر والفهم لمعانيه!
وقد قال تعالى:
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النّحل: 89].
قوله صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم:
((إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ القُرْآنِ))... الحديث. [صحيح البخاري]
وقوله عليه الصّلاةُ والسّلام:
((يَجِيءُ القُرْآنُ يَومَ القِيَامَةِ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ! يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ أَنَا الَّذِي كُنْتُ أُسْهِرُ لَيْلَكَ، وَأُظْمِئُ هَوَاجِرَكَ))... الحديث.
[سلسلة الأحاديث الصّحيحة: 2829]

البيتُ الرّابعُ:
قوله صلّى الله عليه وسلّم:
((الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ! يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ! مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّومَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ)).
[قال عنه الوالد -رحمه الله-: "ورواه: أحمد والحاكم وصحّحه، ووافقه الذّهبيّ، وهو كما قالا". يُنظر: "مشكاة المصابيح"، الحديث رقم: 1963].

البيتُ الخامسُ –والأخير-:
قوله صلّى الله عليه وسلّم:
((مَا قَالَ عَبْدٌ -قَطُّ؛ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حُزْنٌ-: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ: أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي! وَنُورَ بَصَرِي! وَجِلَاءَ حُزْنِي! وَذَهَابَ هَمِّي! إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا)).
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؟
قَالَ:
((أَجَلْ! يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ)).
[قال عنه الوالد -رحمه الله-: "صحيح". يُنظر "التّعليقات الحسان على صحيح ابن حبّان"، كتاب: الرّقائق، باب: الأدعية، رقم الحديث: 968].
هذا، وما كان من صواب؛ فمن الله وحده...
وما كان من خطأ فمن جهلي وضعفي.
أسأله تعالى المغفرة والقبول.
وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وسلّم.
كتبتْهُ: حسّانة بنت محمّد ناصر الدّين الألبانيّ.
الثّلاثاء/ 19/ رمضان/1433هـ.



بسم الله الرحمن الرحيم

حُسْنُ الاعتراضِ في القرآنِ
(مقطع من كتاب: التّبيان في أقسام القرآن)
لابنِ القيّمِ -رحمهُ اللهُ-


"فتأمل حُسن (الاعتراض) وجزالته في قول الرّبّ تعالى:
{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} [النّحل:101]
فقوله: { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} اعتراض بين (الشّرط وجوابه)؛ أفاد أمورًا؛ منها:
- الجواب عن سؤال سائل: "ما حكمةُ هذا التبديل، وما فائدته؟".

ومنها:
- أنّ الذي بدَّلَ، وأتى بغيره منزل محكم نزوله قبل الإخبار بقولهم

ومنها:

- أنّ مصدر الأمرين عن علمه تبارك وتعالى، وأنّ كُلاًّ منهما منزل؛ فيجب التسليم والإيمان بالأوّل والثّاني!

ومن الاعتراض الّذي هو في أعلى درجاتِ الحسنِ! قوله تعالى:
{وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14]
فاعترضَ بذكر شأن حمله ووضعه بين الوصيّة والموصَى به:
- توكيدًا لأمر الوصيّة بالوالدة التي هذا شأنها!
- وتذكيراً لولدها بحقّها، وما قاسته من حمله ووضعه؛ مما لم يتكلّفه الأب!

ومنه قوله تعالى:
{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} [البقرة:72-73]
فاعترضَ بقوله: {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} بين الجمل المعطوف بعضها على بعض؛ إعلامًا بأنّ تدارؤهم وتدافعهم في شأن القتيل؛ ليس نافعًا لهم في كتمانه! فالله يُظهره ولا بدّ!
ولا تستطلْ هذا الفصل وأمثاله؛ فإنّه يعطيك ميزانًا، وينهج لك طريقًا؛ يعينُك على فهم الكتاب! والله المستعان" ا.هـ
صدقَ –رحمه الله تعالى-.

وفي بداية هذا الفصل ذكرَ ابن القيّم -رحمهُ الله- مثالاً لوقوع (اعتراض) ضمن (اعتراض)! وذلك في قوله تعالى:
{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}
[الواقعة: 75-76-77].
فقال:
"والمقسم عليه ههنا قوله:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}
- ووقع (الاعتراض) بين (القسم) و(جوابه) بقوله:
{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}!
- ووقع (الاعتراض) بين (الصفة) و(الموصوف) في جملة هذا الاعتراض بقوله تعالى:
{لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}
فجاء هذا (الاعتراض) في ضمن هذا (الاعتراض) ألطف شيء، وأحسنه موقعًا"! ا.هـ
~ ~ ~

الجمعة/15/رمضان/1433هـ