كلمة توجيهيَّة من العلَّامةِ ربيع المدخليّ حفظهُ اللهُ لأهل ألْبانيا وغيرِهم الثُّلاثاء: 19/ 1437/7هـ‍...مفرَّغة




كلمةٌ توجيهيَّةٌ من العلَّامةِ ربيعٍ المدخليِّ -حفظهُ اللهُ- لأهلِ ألْبانيا وغيرِهم
الثُّلاثاء:  19/ 1437/7هـ‍

(تفريغُ كلمةِ العلَّامة الشَّيخ: ربيعٍ المدخليِّ -حفظهُ اللهُ-)

" بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم
الحمدُ للهِ، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ على رسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ ومنِ اتَّبَعَ هُداهُ، أمَّا بعدُ:
فإنِّي أُرحِّبُ بالأحبَّةِ مِنْ (كُوسُوفا) ومنْ (ألْبَانيا)، الأحبَّةِ السَّلَفِيِّينَ مِنْ (كُوسُوفو) ومنْ (ألْبَانيا)، وغَيرِهِمَا.
وأُوْصي نفسِي وإِيَّاهُمْ بـ (تقْوى اللهِ) في كلِّ حَالٍ منَ الأحوالِ، وفي كلِّ شأنٍ منَ الشُّؤونِ: تقْوى اللهِ في العَقيدةِ، في العِبادةِ، والإخْلاصِ كذلكَ؛ يجبُ أنْ تقومَ علاقَتُنا باللهِ -تباركَ وتعالى- عَلَى الأساسِ: (تقْوى اللهِ، والإخْلاصِ للهِ تباركَ وتعالى).
{وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً}{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطّلاق: 2-3]
{اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب: 70-71]
آياتٌ كثيرَةٌ وردَتْ فيها الأوامرُ بتقْوى اللهِ -تباركَ وتعالى-، والإخلاصِ للهِ.
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البيّنة: 5]
تقْوى اللهِ في الأقوالِ والأفْعالِ
والإخلاصُ للهِ في الأقوالِ والأفْعالِ
ومراقبةُ اللهِ في كلِّ حالٍ.
إذا كانَ المرءُ على هذهِ الحالِ، أوِ الجماعةُ على هذِهِ الحالِ؛ فنِعْمَ الحالُ، نِعْمَتِ الحالُ واللهِ! إذا كانُوا حياتُهُم قائمَةً على: (تقْوى اللهِ، والإخلاصِ للهِ -تباركَ وتعالى-، ومراقبتِهِ في كلِّ الشُّؤونِ)؛ صلُحَتْ أحْوالُهمُ الأُخْرى؛ إن شاءَ اللهُ.

وأُوصيهِمْ بـ(الِاعتصامِ بالكتَابِ والسُّنَّةِ)؛ كما أمرَ اللهُ بذَلِكَ: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[آل عمران: 103]
فاعْتَصِمُوا بحبلِ اللهِ جميعًا، وابْتَعِدوا عنِ (التَّفَرُّقِ)، وعَنْ كُلِّ أسبابِ الفُرْقَة.
وكونُوا ((كَالجسَدِ الواحِدِ؛ إذا اشْتَكَى منْهُ عُضْوٌ؛ تدَاعَى لَه سَائرُ الجسَدِ بالحُمَّى والسَّهَر)).
أنْ تكونَ علَاقَتُكُمْ قائمَةً على: (تقْوى اللهِ، وعلى الإخلاصِ للهِ، وعلى التّمسُّكِ بكتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم).

ومِنْ أهمِّ الأشياءِ: (التَّحآبُّ في اللهِ عزَّ وجلَّ)! هذهِ مرتَبةٌ عظيمةٌ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، يُحْظَى بها المتحابُّونَ في اللهِ يومَ القيامةِ! يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ: ((أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي))!
يومَ القيامةِ يوجدُ أهوالٌ! ويوجدُ شدائدُ! تدنُو الشَّمسُ حتَّى ما يكونَ بينَ النّاسِ وبينَها إلَّا بمقدارِ ميلٍ! قالَ الرَّاوي: لا أدْري: ميلُ مِكْحَلةٍ، أو ميلُ مسَافَة؟.
النَّاسُ في هذهِ الشِّدَّةِ العظيمةِ، والمتحابُّونَ في اللهِ في ظلِّ اللهِ عزَّ وجلَّ!
فاحرصُوا كُلَّ الحرصِ على التَّآخي في اللهِ، والتَّحابِّ في اللهِ، واجتنابِ كُلِّ الأسبابِ التي تؤدِّي إلى ضَعْفِ هذِهِ المحبَّةِ، أو إزالَتِها! وتؤدِّي إلى (التَّفرُّقِ)! التَّفرُّقُ شرٌّ! كما قالَ ابنُ مسْعود: «الفُرْقَةُ شرٌّ!»، ويقولُ اللهُ تباركَ وتَعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[الأنعام: 159]
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[الرُّوم: 31-32]
فهذهِ حالُ المشركين!
المؤمنونَ (الصَّادقونَ) بعيدونَ جِدًّا عن هذِهِ الحالِ؛ فاجْتنبوا هذهِ الأحوالَ السّيِّئَةَ.

ثُمَّ اطْلُبُوا (العلْمَ)! وجِدُّوا في طَلَبِهِ من:
- كتابِ اللهِ، ومن سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
- ومن كُتُبِ التَّفسيرِ السَّلفيِّ
- ومن كُتُبِ أئمَّةِ الدَّعْوةِ؛ كـ(أحمدَ بنِ حنبلَ، وابْنِ تيميةَ، وابنِ القيِّمِ، وابنِ عبدِ الوهّابِ)، وغيرِهِمْ.
لهُم كتبٌ عظيمَةٌ جدًّ! في مجالاتٍ شتَّى: في العَقيدةِ، وفي العبَادةِ، وفي السِّيرَةِ، وفي كُلِّ المجالات!

تفقَّهُوا في الدِّين! ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا؛ يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)).
 فعدَمُ التَّفقُّهِ في الدِّين؛ دلَالَةٌ سيِّئَةٌ في عدَمِ التَّفقُّهِ في الدِّين! 
 فاخْرُجُوا من هذهِ الحالِ، واجْعَلُوا همَّكُمُ الأوَّلَ والأخِيرَ: (تحصيلَ العِلْمِ)!
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة: 11]
{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزُّمَر: 9]
{إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[فاطر: 28]
للعلْمِ منزِلَةٌ عظيمَةٌ جِدًّا!
((والْمَلَائِكَةُ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ؛ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ)).
و((العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)).
فكونُوا -إنْ شاءَ اللهُ- من العُلماءِ الَّذينَ هُمْ وارثونَ للأنبياءِ عليهِمُ الصّلاةُ والسَّلامُ، وعلى الأُسُسِ -التي ذكرْتُها-؛ على أساسِ: (تقْوَى اللهِ، والتَّآخِي فيهِ، والتَّحابِّ فيهِ، والإخلاصِ للهِ عزَّ وجلَّ).
وفَّقَ اللهُ الجميعَ لما يُحِبُّ ويرضَى.
وصلَّى اللهُ عَلى نبيِّنا مُحَمَّدٍ، وعَلى آلِهِ وأصْحابِهِ وسلَّم".
* * *
تمَّتْ كلمةُ الوالدِ الشّيخِ ربيعٍ المدخليّ.
جزاهُ اللهُ خيرَ الجزاءِ
فرَّغَتْهُ: حَسَّانَة بنتُ محمّدٍ ناصرِ الدّين الألباتيّ
السّبت 23 رجب 1437هـ‍
مع تصرُّفٍ يسيرٍ.
والمقطع الصّوتيّ متوفّرٌ عبرَ الشَّبكةِ بالعنوانِ السابِقِ أعْلاه.

المُسلِمُ لا يدعُ نَفْسَهُ في فَراغ




المُسلِمُ لَا يَدَعُ نَفْسَهُ في  فَرَاغ

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمدُ للهِ، والصَّلَاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ اللهِ، وبعدُ:
فإنَّ ممَّا يشْكو منهُ بعضُ النَّاسِ (الفَراغُ)!
وقدْ قالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ)). [صحيح البخاريّ]

• جاء في "عمدة القاري شرح صحيح البخاريّ"، (23/ 31):
 "(مغْبُون): إِمَّا مُشْتَقّ من الْغبن بِسُكُون الْبَاء وَهُوَ النَّقْص فِي البيع.
وَإِمَّا من: الْغبن -بِفَتْح الْبَاء-، وَهُوَ النَّقْص فِي الرَّأْي،
 فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذَانِ الْأَمْرَانِ إِذا لم يُستَعْمَلا فِيمَا يَنْبَغِي فقد غُبنَ صَاحبهمَا فيهمَا؛ أَي: باعَهُما ببخْسٍ لَا تُحْمَدُ عاقِبتُهُ.
أَو: لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِك رَأْي أَلْبَتَّة؛ فَإِن الْإِنْسَان إِذْ لم يعْملِ الطَّاعَةَ فِي زمن صِحَّتهِ فَفِي زمن الْمَرَض بِالطَّرِيقِ الأولى، وعَلى ذَلِكَ حُكْم (الْفَرَاغِ) أَيْضًا؛ فَيبقَى بِلَا عَملٍ خاسِرًا مغبونًا.
هَذَا وَقد يكون الْإِنْسَان صَحِيحًا وَلَا يكون متفرغًا لِلْعِبَادَةِ لاشتغالِه بِأَسْبَاب المعَاشِ وَبِالْعَكْسِ؛ فَإِذا اجْتمعَا فِي العَبْد وَقصَّر فِي نيلِ الْفَضَائِل؛ فَذَلِك هُوَ الْغبْن لَهُ كُلُّ الْغبْن، وَكَيف لَا وَالدُّنْيَا هِيَ سُوقُ الأرباحِ، وتجاراتُ الْآخِرَة؟!" انتهى.

• وفي واقعِ الأمرِ؛ لو نَظَرْنا إلى ما شَرَعَهُ اللهُ للمسلِمِ خلَالَ يومِهِ؛ فما ينبغي لَهُ أن يكونَ لديهِ فراغًا؛ بل في بعضِ الأحيانِ يحتاجُ إلى موازنةٍ بين (المصالِحِ) حتى يقدِّمَ أعلاها؛ نظرًا لتزاحُمِها في سير نهارِهِ وليلِهِ!
فالمسلِمُ لو اشتغلَ بالصّالحاتِ في يومِهِ:
منَ الصَّلواتِ المكتوباتِ؛ بطمأنينةٍ منْ غَيرِ عَجَلَةٍ
إلى الرّواتبِ
إلى النّوافِلِ
وتلاوةِ وردِهِ من القرآنِ الكريمِ
ودراسَةِ مادَّةٍ يزدادُ بهِا علمًا نافعًا
وقراءةِ كتابٍ يُفيدُهُ في دينِهِ
وتابعَ وراعَى حقوقَ أهلِهِ وبيتِهِ
وأدَّى أمانَةَ عمِلِهِ ومعاشِهِ
ومن ثمَّ اقتطعَ جزءًا يسيرًا من وقتِهِ؛ ليُروِّحِ عن قلبِهِ ساعةً؛ بما يُرضيهِ تعالى
أنَّى يكونُ لديهِ بعدَ ذلكَ (فراغٌ)!
حتى (سُويعات النَّومِ) فالمسلمُ فيه قدْ شُغِلَ فيها في راحةِ جسدِهِ؛ طلبًا للنّشاطِ لما بعدَ استيقاظِهِ من مهامَّ تنفعُهُ في دينِهِ ودنياهُ.
وكذا (تأمُّله) في ملكوتِ السّواتِ والأرضِ؛ هو في شُغلٍ يزدادُ معهُ إيمانُهُ!

• فالحمدُ للهِ -نحنُ المسلمون-، في دينِنا الكثير والكثيرُ من العباداتِ المتنوِّعةِ، والتّكاليفِ المختلفةِ التي تُدكُّ معها أركانُ الفراغِ، فلا تُبقي منهُ ولا تذر!

• فلا يليقُ بالمسلِمِ أنْ يضعَ يدَهُ على خدِّهِ، ويُصدِرَ نفخاتِ التّأفُّفِ ضجِرًا بسببِ الفَراغِ!

• وما ينبغي لهُ أن يعيشَ تائهًا ضائعًا بطَّالًا في هذهِ الدُّنيا، ما يدري كيفَ يقتُلُ وقتَهُ -على حدِّ تعبيرِ الفَارغين!-  ولا بِمَ يقطَعُ سفَرَ يومِهِ!

• إنَّما ينبغي لهُ أن يُربِّيَ نفْسَهُ ويروِّضَها فيغتنمَ كلَّ لحظةٍ في حياتِهِ؛ ويشغَلَها ويستعْمِلَها بمَ يعودُ عليه بخَيري الدُّنيا والآخرة، حتى يغدوَ -عندهُ- (قلَّة الفراغِ) هي الأصلُ!

• وينبغي للمسلمِ أن يتحسَّرَ على فواتِ دقيقةٍ من عمرِهِ، لم يشغلْها بالأعمالِ النّافعاتِ الصالحاتِ.

• وترى المسلِمَ الجادَّ يحرصُ أشدَّ الحرْصِ على إشغالِ وقتِهِ بما يفيدُهُ، ويفيدُ غيرَهُ، بل وتراهُ لديهِ حِسًّا مُرْهَفًا مِنْ تضييعِ وقتِ غيرِهِ فضلًا عنْ وقتِهِ.

• وهذا الاشتغالُ والإشغالُ بالأعمالِ النّافعاتِ، مطيّةُ المسلِمِ للتّزوُّدِ والزّيادةِ من الأعمالِ الصالحاتِ التي تكونُ لهُ ذخرًا يوم القيامةِ؛ فإن كنَّا فارغينَ في دُنيانا، فماذا تزوَّدْنا لآخرَتِنا؟!

 قالَ الشّاعرُ:
ما أَحْسَنَ الشُّغْلُ في تَدْبيرِ مَنْفَعَةٍ ... أهْلُ الْفَراغِ ذَوُو خَوْضٍ وإِرْجَافِ!

• نرجوهُ سبحانَهُ أن يشغَلَنا بِطاعتِهِ، وبما ينفَعُنا في دينِنِا ودُنْيانا
وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّم.
كتبتْهُ: حسَّانة
الأربعاء 19 رجب 1437هـ‍