المُسلِمُ لا يدعُ نَفْسَهُ في فَراغ




المُسلِمُ لَا يَدَعُ نَفْسَهُ في  فَرَاغ

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمدُ للهِ، والصَّلَاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ اللهِ، وبعدُ:
فإنَّ ممَّا يشْكو منهُ بعضُ النَّاسِ (الفَراغُ)!
وقدْ قالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ: ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ)). [صحيح البخاريّ]

• جاء في "عمدة القاري شرح صحيح البخاريّ"، (23/ 31):
 "(مغْبُون): إِمَّا مُشْتَقّ من الْغبن بِسُكُون الْبَاء وَهُوَ النَّقْص فِي البيع.
وَإِمَّا من: الْغبن -بِفَتْح الْبَاء-، وَهُوَ النَّقْص فِي الرَّأْي،
 فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذَانِ الْأَمْرَانِ إِذا لم يُستَعْمَلا فِيمَا يَنْبَغِي فقد غُبنَ صَاحبهمَا فيهمَا؛ أَي: باعَهُما ببخْسٍ لَا تُحْمَدُ عاقِبتُهُ.
أَو: لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِك رَأْي أَلْبَتَّة؛ فَإِن الْإِنْسَان إِذْ لم يعْملِ الطَّاعَةَ فِي زمن صِحَّتهِ فَفِي زمن الْمَرَض بِالطَّرِيقِ الأولى، وعَلى ذَلِكَ حُكْم (الْفَرَاغِ) أَيْضًا؛ فَيبقَى بِلَا عَملٍ خاسِرًا مغبونًا.
هَذَا وَقد يكون الْإِنْسَان صَحِيحًا وَلَا يكون متفرغًا لِلْعِبَادَةِ لاشتغالِه بِأَسْبَاب المعَاشِ وَبِالْعَكْسِ؛ فَإِذا اجْتمعَا فِي العَبْد وَقصَّر فِي نيلِ الْفَضَائِل؛ فَذَلِك هُوَ الْغبْن لَهُ كُلُّ الْغبْن، وَكَيف لَا وَالدُّنْيَا هِيَ سُوقُ الأرباحِ، وتجاراتُ الْآخِرَة؟!" انتهى.

• وفي واقعِ الأمرِ؛ لو نَظَرْنا إلى ما شَرَعَهُ اللهُ للمسلِمِ خلَالَ يومِهِ؛ فما ينبغي لَهُ أن يكونَ لديهِ فراغًا؛ بل في بعضِ الأحيانِ يحتاجُ إلى موازنةٍ بين (المصالِحِ) حتى يقدِّمَ أعلاها؛ نظرًا لتزاحُمِها في سير نهارِهِ وليلِهِ!
فالمسلِمُ لو اشتغلَ بالصّالحاتِ في يومِهِ:
منَ الصَّلواتِ المكتوباتِ؛ بطمأنينةٍ منْ غَيرِ عَجَلَةٍ
إلى الرّواتبِ
إلى النّوافِلِ
وتلاوةِ وردِهِ من القرآنِ الكريمِ
ودراسَةِ مادَّةٍ يزدادُ بهِا علمًا نافعًا
وقراءةِ كتابٍ يُفيدُهُ في دينِهِ
وتابعَ وراعَى حقوقَ أهلِهِ وبيتِهِ
وأدَّى أمانَةَ عمِلِهِ ومعاشِهِ
ومن ثمَّ اقتطعَ جزءًا يسيرًا من وقتِهِ؛ ليُروِّحِ عن قلبِهِ ساعةً؛ بما يُرضيهِ تعالى
أنَّى يكونُ لديهِ بعدَ ذلكَ (فراغٌ)!
حتى (سُويعات النَّومِ) فالمسلمُ فيه قدْ شُغِلَ فيها في راحةِ جسدِهِ؛ طلبًا للنّشاطِ لما بعدَ استيقاظِهِ من مهامَّ تنفعُهُ في دينِهِ ودنياهُ.
وكذا (تأمُّله) في ملكوتِ السّواتِ والأرضِ؛ هو في شُغلٍ يزدادُ معهُ إيمانُهُ!

• فالحمدُ للهِ -نحنُ المسلمون-، في دينِنا الكثير والكثيرُ من العباداتِ المتنوِّعةِ، والتّكاليفِ المختلفةِ التي تُدكُّ معها أركانُ الفراغِ، فلا تُبقي منهُ ولا تذر!

• فلا يليقُ بالمسلِمِ أنْ يضعَ يدَهُ على خدِّهِ، ويُصدِرَ نفخاتِ التّأفُّفِ ضجِرًا بسببِ الفَراغِ!

• وما ينبغي لهُ أن يعيشَ تائهًا ضائعًا بطَّالًا في هذهِ الدُّنيا، ما يدري كيفَ يقتُلُ وقتَهُ -على حدِّ تعبيرِ الفَارغين!-  ولا بِمَ يقطَعُ سفَرَ يومِهِ!

• إنَّما ينبغي لهُ أن يُربِّيَ نفْسَهُ ويروِّضَها فيغتنمَ كلَّ لحظةٍ في حياتِهِ؛ ويشغَلَها ويستعْمِلَها بمَ يعودُ عليه بخَيري الدُّنيا والآخرة، حتى يغدوَ -عندهُ- (قلَّة الفراغِ) هي الأصلُ!

• وينبغي للمسلمِ أن يتحسَّرَ على فواتِ دقيقةٍ من عمرِهِ، لم يشغلْها بالأعمالِ النّافعاتِ الصالحاتِ.

• وترى المسلِمَ الجادَّ يحرصُ أشدَّ الحرْصِ على إشغالِ وقتِهِ بما يفيدُهُ، ويفيدُ غيرَهُ، بل وتراهُ لديهِ حِسًّا مُرْهَفًا مِنْ تضييعِ وقتِ غيرِهِ فضلًا عنْ وقتِهِ.

• وهذا الاشتغالُ والإشغالُ بالأعمالِ النّافعاتِ، مطيّةُ المسلِمِ للتّزوُّدِ والزّيادةِ من الأعمالِ الصالحاتِ التي تكونُ لهُ ذخرًا يوم القيامةِ؛ فإن كنَّا فارغينَ في دُنيانا، فماذا تزوَّدْنا لآخرَتِنا؟!

 قالَ الشّاعرُ:
ما أَحْسَنَ الشُّغْلُ في تَدْبيرِ مَنْفَعَةٍ ... أهْلُ الْفَراغِ ذَوُو خَوْضٍ وإِرْجَافِ!

• نرجوهُ سبحانَهُ أن يشغَلَنا بِطاعتِهِ، وبما ينفَعُنا في دينِنِا ودُنْيانا
وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّم.
كتبتْهُ: حسَّانة
الأربعاء 19 رجب 1437هـ‍