تنبيهاتٌ تتعلّقُ بطرقِ عرضِ النّصوصِ والعباراتِ (الشّرعيّة) بالحركاتِ والأشكالِ!

تنبيهاتٌ
تتعلّقُ بطرقِ عرضِ النّصوصِ والعباراتِ (الشّرعيّة) بالحركاتِ والأشكالِ!

بسم الله الرّحمن الرّحيم
إنّ ممّا ظهر في هذه الأيّام، إدخال طرق جديدة في كيفيّة (كتابة) بعض النّصوص والعبارات (الشّرعية)؛ في بعض برامج المحادثة والمنتديات والمواقع، وقد بدأت تتسلّل إلى الجوّال! وقد ساعد على ذلك التّقنيّة المرافقة لتلك البرامج؛ أيّما مساعدة.
طرقٌ يمكن للمتأمّل فيها أن يدخلها في باب (لا يليق) على أقلّ تقدير، ولم يسلم من استخدامها إلاّ من رحم الله.
ولقد كنت أنتظر أن تختفي هذه الظّاهرة؛ أو يكثر التّنبيه عليها؛ ولكنّي رأيتُ الأمر ينتشر ـ مع أنه واضح كالشّمس صحوًا لا سحاب دونها ـ ممّا دعاني لكتابة هذا الموضوع؛ مستعينة بالله تبارك وتعالى.
وقد جعلته على شكل فقرات محدّدة؛ لمزيد من التّوضيح؛ ولئلاّ يظنّ أحدٌ أنّ التّنبيه يشمل كل طرق الكتابة!
وقد استخدمتُ في بعض تلك الفقرات؛ طريقة السّؤال دون جواب؛ لأنّ ـ والحقّ يقال ـ الحال هنا كحال قول الشّاعر:
وليسَ يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ ..... إذا احتاجَ النّهارُ إلى دليلِ!
• ما هي العبارات الشّرعيّة المقصودة في الموضوع؟
هي النّصوص، أو الجمل أو الكلمات الّتي وردت في الشّرع؛ ونستعملها تعبّدًا لله عزّ وجلّ، ونبتغي بها الأجرَ والثّواب منه جلّ وعلا، ويلحق بها عبارات أخرى تمُتُّ للشّرع بصلة؛ بشكل أو بآخر.
• ما أمثال تلك النّصوص والعبارات؟
على رأسها: الآيات الكريمة، والأحاديث الشّريفة؛ وهذا ممّا لا حصر له، وكذلك العبارات الشّرعية: كالجمل الآتية:ـ أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم
ـ بسم الله الرّحمن الرّحيم
ـ السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلاّ الله، الله أكبر
ـ صلّى الله عليه وسلّم
ـ رضي الله عنه
ونحوها....
ويلحق بها جمل (الدّعاء):
ـ جزاك الله خيرًا
ـ بارك الله فيك

ـ أحسن الله إليك
إلخ...
• ما الأمور المستحدثة في كتابتها؟
المحدثات الواردة في كتابتها؛ لم تتركّز على جانب
واحد، بل تجاوزتْ ذلك حتّى صار لها أشكالٌ وألوانٌ!

أَذْكرُ منها على سبيل المثال ـ لا الحصر ـ:

1) من جهة الحركات:
ـ تحريك (الجملة) يمنة ويسرة! جيئة وذهابًا؛ من غير توقّف! فتسير باتّجاه اليسار؛ ثم ترجع باتّجاه اليمين.
ـ قلبها: من الأعلى إلى الأسفل، ومن الأسفل إلى الأعلى! رأسًا على عقب! وخلال ذلك تختفي لتصير خطًّا مستقيمًا لا يكادُ يُقرأ!

ـ ظهورها ثمّ اختفاؤها، ثمّ ظهورها، ثمّ اختفاؤها....وهكذا دواليك!
ـ تقفز مرّات وكرّات!
ـ تحريك ثلاثة أرباع الجملة باتجاه الأعلى؛ وحرف واحد بالاتّجاه المعاكس؛ مثل: جملة (بارك الله فيك)، يقلبون كل الجملة من أعلى إلى أسفل؛ وفي الوقت نفسه يقلبون حرف (الكاف) فقط باتّجاه العكس؛ أي : الأعلى! وذلك أيضًا كرّات ومرّات.
ـ إرفاقها مع المشيرة (الفأرة) الّتي تتحرّك في الحاسوب؛ بحيث تتحرّك حيثما تحرّكت؛ فيضعون مثلاً: جملة (سبحان الله) على رأس السّهم ( المشيرة) فأنّى ذهبْنا بها في الصّفحة، اتّجهت معها جملة: (سبحان الله)!
ـ ظهور الكلمة ثم ذهابها؛ فتأتي بعدها كلمة تابعة، ثمّ تذهب؛ ثمّ ترجع الكلمة الأولى، وهكذا..؛ نحو: كلمة محمّد، ثمّ تختفي؛ فتأتي بعدها جملة: رسول الله؛ ثمّ تختفي؛ فتأتي جملة: صلّى الله عليه وسلّم! كلّ ذلك بحركات سريعة!
ـ إمرار دائرة صغيرة ملونة بلون مختلفة الكلمة؛ على طول سياق الكلمة، بسرعة، ثمّ تعود إلى أوّلها, وهكذا؛ حتّى تكاد العين تجحظ من سرعة ملاحقتها!
ـ وضعها مع أشكال تعبيريّة! كوضع صورة صنبور؛ يتساقط منه قطرات؛ الواحدة تلو الأخر؛ كل قطرة عبارة عن حرف؛ فيتشكّل منها ـ بالنّهاية ـ مقولة تحثّ على التّمسّك بالدّين، ونحوها!

2ـ من جهة الألوان:
ـ تلوين كل (كلمة) بلون!
ـ تلوين كل (حرف) بلون!
ـ تلوينها بألوان تشعّ تارة وتنطفئ أخرى.
ـ إضافة ألوان ـ عليها ـ لها وميض البرق، ولمعان النّجوم!

3ـ من جهة الأشكال:
ـ كتابتها مرفقة بأشكال ورسومات؛ مثل: إرفاق مناظر طبيعيّة وورود وزهور وقلوب مع الآيات الكريمة، والأحاديث الشّريفة!
وكوضع صورة (مُجهر) فوق صفحة من صفحات المصحف الشّريف! أو وضع صورة (مِسبحة) فوق صورة الآيات الكريمة!
ـ كتابتها بطريقة الظلّ؛ حيث يجعلون لها ظلاًّ من الأسفل؛ فمثلاً: جملة (بسم الله الرّحمن الرّحيم)؛ يجعلون لها ظلاًّ عكسيًّا من الأسفل؛ فتظهر الجملة كلّها مقلوبة!
ـ كتابة الجملة (وربّما تكون حديثًا شريفًا) فوق صورة لصفحة من المصحف الشّريف؛ فيصير نصّ كلمات الحديث فوق نصّ الآيات الكريمة.

ـ حشوها داخل رسم على شكل قلب، أو حشرها بين قلبين أحمرين!
ـ إرفاق عبارات الدّعاء مع صورة سلّة ورود حمراء، أو زهور متنوّعة.
ـ إحاطتها بزخارف؛ لا علاقة لها مطلقًا بالخطّ العربي.
• ما حجّة من يكتبها بتلك الطّريقة والأشكال والألوان والحركات؟
ـ للتّشويق!
ـ كتابتها مجرّدة عن الحركات والألوان تصير: (جافّة)!

ـ لتذكّرنا بالله!
ـ كتابتها بتلك الطّريقة أجمل
ـ صارت جذّابة

ـ لتلفت الانتباه
ـ نحن ندقّق في المعنى لا الشّكل!
ـ لم نضع معها صور ذوات أرواح!

• التّعليق:
أن نكتب الأمور الّتي نتعبّد الله بها؛ بما يقفز ويتحرك ويتلألأ ويشع ويضيء وينطفئ:ـ هل يليق بها؟
ـ ألا يُنقِص من تعظيمنا لها؟
ـ أليس فيها ما يشغل ذهن القارئ عن كمال مقصود العبارة؟!
ـ ألا نخشى أن تصير تلك الأساليب ـ يومًا بعد يوم ـ كأنّها ألعاب وعبث؛ والعياذ بالله! وبالتّالي:

ـ ألا يمكن أن يفقد القارئ إحساس الجدوى والمغزى الأساسيّ من كتابتها!
ـ هل يَرضى أحدنا أن يجد اسمه ينقلب شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا، أو تُطمَس معالمه بكلام آخر؟!
ـ ما المغزى من تلك الحركات والأشكال؛ يا أولي الألباب؟
ـ أليس من زيادة التّعظيم لها؛ أن ننأى عن التّفنن بها بتلك الأشكال والحركات العجيبة؟!
ـ ألا نخشى مع الأيّام أن نستثقل رؤية تلك العبارات الشّرعية ولا نستسيغها إلا بتلك الطّرق! وشيئًا فشيئًا تصبح النّصوص الشّرعيّة بستانًا وحديقة، وكأنّنا في نزهة وترفيه؟!
وفي نهاية المطاف؛ لنتدبّر الآيات الكريمة التّالية:

{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}[الأعراف:51]
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}[التوبة:65]
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحجّ:30]
قال العلاّمة السّعديّ ـ رحمه الله ـ في تفسيره:
"وحرمات الله: كل ما لَهُ حرمة، وأمر باحترامه، بعبادة أو غيرها"...
ولنتأمّل قوله عليه الصّلاة والسّلام في الحديث المتّفق على صحّته:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنْها؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ؛ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:

((اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ، وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ؛ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاتِي))!
ولنعيَ ما ورد في شرحه من فوائد؛ ممّا ينبغي لنا أن نصطحبه معنا في الأمور الّتي نتعبّد الله بها:
"قال ابن دقيق العيد: فيه مبادرة الرّسول إلى مصالح الصّلاة، ونفي ما لعلّه يخدش فيها.
ويستنبط منه: كراهية كل ما يشغل عن الصّلاة من الأصباغ والنّقوش ونحوها.

وقال الطّيبيّ: فيه إيذان بأنّ للصّور، والأشياء الظاهرة تأثيرًا في القلوب الطّّاهرة والنّفوس الزّكيّة؛ يعني فضلاً عمّن دونها." ا.هـ. باختصار من: [فتح الباري].

وختامًا: ينبغي لنا أن نضبط أذواقنا وعواطفنا في كلّ أمر؛ حتّى في طريقة الكتابة؛ بحيث يبرز تعظيمنا لحرمات ديننا الحنيف بأدقّ صوره.. ألا من مدّكر؟!
هذا والله تعالى أعلم.
وفّق الله الجميع لما يحبّه ويرضاه.

وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وسلّم.

كتبتْهُ: حسّانة بنت محمّد ناصر الدّين الألبانيّ.

ـــــــــــــــــــ

السّبت/9/ربيع الأوّل/1432هـ