الآية 145، من سورة النّساء


(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)
[النّساء: 145]

لِلْبائِعينَ الغاشِّين



لِلْبائِعينَ الغاشِّين

بسمِ اللهِ الرَّحمن الرّحيم
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلَامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:
فعجيبٌ؛ كيفَ يطيبُ (للبائعِ) أن يضعَ في جيبهِ نقودًا أخذها بسببِ غِشِّهِ!
وكيفَ يهنأُ (البائعُ) أن يأكلَ من نُقودٍ تحصَّلَ عليها بسببِ غشِّهِ!
لَعَمري! إنَّ المشتريَ اللّبيبَ ليَلْحظُ الغشَّ مِنْ سمتِ بعضِ الباعةِ؛ ولكنَّ الحاجةَ، وتغْليبَ حُسنِ الظَّنِّ، دفَعَا ذلكَ (المشتريَ المغشوشَ بكمْ وببِضاعَتِكُمْ) أن يأخذَ طلبَهُ من عِنْدِكمْ!

فلقَدْ قصدَكَ ذلكَ (المشتري المريضُ) وطلبَ منكَ (عسلًا صافيًا جاءَ من خليَّةِ نحلٍ حقيقيّةٍ!) للِاستشفاءِ بشربةٍ منهُ، كما قالَ سبحانَهُ: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ}[النَّحل: 69]؛ وإذ بكَ تبيعُهُ عسلًا مصنوعًا من (سُكَّرٍ، وماءٍ، وصَبْغةِ شاي!)، فيزدادُ مرضُهُ، ويتأخَّرُ برؤُهُ؛ بسببِ غِشِّكَ!

وتوقَّفَ (ذلك المسافرُ) حينما رآكَ تقفُ ببضاعتِكَ على جانبِ طريقِ سفَرِهِ؛ فأرادَ أن يجبُرَ عنكَ، وبالوقتِ نفسهِ يرجِعُ إلى أهلهِ وأحبابِهِ بهديَّةِ الفاكهةِ المحبَّبةِ إليهِمْ ولَا يجدُها في بلدِهِ، فلمَّا انتقاها واستنصحكَ عنْ جودتِها -فلَا وقتَ لديهِ ولَا همَّةً للتَّنقيبِ-، ووصلَ إلى بلدِهِ، وجدَكَ بِعْتَهُ صندوقَ الفاكهةِ وقد جعلْتَ الطّبقةَ الفوقيَّةَ الظّاهرةَ تسرُّ النّاظرينَ، وجعلْتَ ما تحتَها أربعَ أو خمسَ طبقاتٍ مخلوطةً بالفاكهةِ العفنةِ والمضروبةِ-التي لو أرادَ المرءُ أن يُطْعِمَها للدّوابِّ، لحَزِنَتْ نَفسُهُ- وتظنُّ أنَّهُ ريثما يصِلُ لبلدهِ ويكتشفُ الغشَّ؛ فسيصعُبُ عليهِ العودةُ إليكَ ليُؤنِّبَكَ، ولمْ يدُرْ في بالِكَ أنَّهُ وإنْ لم يتمكَّنْ من الرّجوعِ إليكَ، فلنْ يستعصيَ عليهِ أن تعودَ دعواتُهُ عليكَ:
"لَا أربحَ اللهُ لكَ تجارةً!.... ولاَ باركَ اللهُ لَكَ فيما أخذتَ منّي؛ جزاءَ ما غشَشْتَني، وخيَّبْتَ أملي في هديَّةٍ لأحبابي"!

أمَّا هذا المشتري، فقدْ ظنَّ أنَّهُ حظيَ ببُغيَتِهِ من (زيتِ الزّيتونِ الصّافي)؛ نتيجةَ حَلْفِكَ أيمانًا بعدَ أيمانٍ؛ أنَّهُ معصورٌ من الزّيتونِ نفسهِ! فتكبَّدَ مشقَّةَ حملِ الصَّفيحةِ (المغلقةِ المختومةِ) وحَمْلِ فرحةٍ لم تكتملْ حينما فتَحها فوجدَ زيتًا أشبهَ ما يكونُ بزيت (السّيّاراتِ)، حتَّى غثَّتْ نفسُهُ من رائحتِهِ ولونِهِ، وخيبةِ ظنِّهِ، وتبديدِ مالِهِ!

وتلكَ المرأةُ الضّعيفةُ، فقدِ اشترَتْ ثوبًا بسيطًا جدًّا ما فيهِ إلَّا فتحةُ الياقةِ وخياطةٌ من الجانبين؛ وإذْ بهِ من أوّلِ لِبسَةٍ تتفصّمُ خياطتُهُ غرزةً بعدَ أخرَى، فتضطرُّ لخياطَتِهِ من جديدٍ؛ لتمكينِهِ، -هذا إنْ لم يتفسَّخْ قماشُهُ، فلَا يصلُحُ مرةً أخرى للِارْتِداءِ!-.

وقدْ تهونُ صورُ الغشِّ تلكَ، فيما لو كانَتْ تكلفَةُ الشِّراءِ معقولةً؛ ولكنْ كلُّهُ مدفوعٌ سعرُهُ بثمنٍ باهظٍ مضاعَفٍ، لَا يتناسبُ مع  قيمةِ البضاعةِ المغشوشةِ، البتَّة!

فجمعَ (البائعُ الغاشُّ):
1- غشًّا في جودةِ البضاعة!
2- غشًّا في السّعر!
3- غشًّا في النّصِيحة!
4- غشًّا لِنَفْسِهِ!

- قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)}[سورة المطفِّفين]
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا؛ فَقَالَ:
((مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟!))
قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ، يَا رَسُولَ اللهِ!
قَالَ: ((أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ؛ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟! مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي))!
["صحيح مسلم"، (102)]
"صُبْرَةِ -بِضَم الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء-: الكَوْمةُ المَجْمُوعَةُ منَ الطَّعَام" اهـ‍ ""شرح السّيوطيّ على مسلم"، (1/ 115)].
- ولمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ (أَكْبَرِ الكَبَائِرِ)؛ ذكرَ منها:
((وَشَهَادَةُ الزُّورِ))- أو: ((قَولُ الزُّورِ)). [متّفقٌ عليه]
- ومنَ الثَّلاثَةِ الذين قالَ عنهمْ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلَام:
((ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ))، فذكَرَ منهم:
((وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ العَصْرِ؛ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ))! [صحيح البخاريّ]
وفي لفظٍ عندَ "مُسلمٍ": ((وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ لَهُ بِاللهِ! لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا؛ فَصَدَّقَهُ؛ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ))!
وفي (قالَ اللهُ، قالَ رسولُ اللهُ)، كفايةٌ لمعْتَبِرٍ..
وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّمَ.
كتبتْهُ: حسَّانةُ بنتُ محمَّدٍ ناصرِ الدّينِ بن نوحٍ الألبانيّ
الإثنين 19 شعبان 1438هـ‍


يَجِيءُ الدَّجَّالُ فَيَطَأُ الْأَرْضَ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ





بسمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحيم

• عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((يَجِيءُ الدَّجَّالُ، فَيَطَأُ الْأَرْضَ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ،
فَيَأْتِي الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا صُفُوفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ،
فَيَأْتِي سَبْخَةَ الْجَرْفِ، فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ،
فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ،
فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ))!
هذا اللّفظُ بتمامِهِ لأحمدَ، وبنحوِهِ عندَ البخاريِّ ومسلمٍ، وغيرِهما.
وقد حقَّقَهُ والدي -رحمَهُ اللهُ- في: "سلسلته الصّحيحة"، رقم (3084 ).  ويُنظرُ في: "قصّة المسيحِ الدَّجال".