مِمَّا
يقَعُ بِهِ مَنْ يَحْلِقُ لِحْيَتَهُ
بسمِ
اللهِ الرَّحمن الرّحيم
الحمدُ
للهِ ربِّ العالمين، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ على خاتَمِ الأنبياءِ والمرسَلين،
أمَّا بعدُ:
فمِمَّا
يقَعُ بِهِ مَنْ (يَحْلِقُ لِحْيَتَهُ) -دون حاجةٍ شَرْعيِّةٍ-:
1- مخالَفَةُ أَمْرِ النّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ في إعْفاءِ
اللّحيةِ:
-
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وسَلَّمَ:
((وَأَعْفُوا
اللِّحَى)). [متّفقٌ
عليه]
((وَأَرْخُوا
اللِّحَى)). ["صحيح
مسلم"، 55 - (260)]
((وَأَوْفُوا
اللِّحَى)). ["صحيح
مسلم"، 54 - (259)]
-
قالَ سُبحانَهُ:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم
بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ
يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]
-
قالَ والدي -رحمَةُ اللهِ عليهِ-:
"ممَّا
سبقَ من النُّصوصِ*؛ يمكنُ للمسْلِمِ -الَّذي لمْ تفسُدْ فطرتُهُ!- أنْ يأخذَ منها
أدلةً كثيرةً قاطعةً على (وجوبِ إعفاءِ اللِّحيةِ)، و(حُرْمَةِ حَلْقِها): أوَّلًا:
أمرَ الشَّارعُ بإعفَائِها، والأصلُ في الأمرِ: (الوجوبُ)؛ فثبتَ المدَّعى!"
اهـ
["تمام المنّة في التّعليق على فقه
السُّنّة"، (ص: 82)، ط1 (1373هـ)، المكتبة الإسلاميّة، عَمَّان، دار الرّاية
للنّشر والتّوزيع الرّياض].
*
النّصوص
ذكرَها -رحمَهُ الله- في الصّفحة السّابقة (81) من "تمام المنّة"، يردُّ
فيها على من زَعَمَ أنَّ (إعفاءَ اللِّحيةِ) من المظاهرِ الشَّكْليَّةِ!
2- تَرْكُ التَّشبُّهِ بسَمْتِ النّبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام:
-
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ: "كَانَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ
وَلِحْيَتِهِ، وَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ، وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ
تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ". ["صحيح مسلم"، 109 - (2344)]
وقصدتُ
هنا بـ(السّمت)؛ ممَّا جاءَ في الشَّرْعِ
على سبيلِ العبادةِ، لَا على سبيلِ العادة.
3- مشابَهَةُ المشْركِين:
قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى االلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ؛
أَوْفِرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ)). [متّفَقٌ عليه]
-
واللهُ يقولُ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانتَهُوا}[الحشر:
7]
-
قالَ الوالدُ -رحمَهُ اللهُ-:
"ومنَ
المعلومِ أنَّ (الأمرَ) يفيدُ (الوجوبَ)؛ إلَّا لقرينةٍ، والقرينةُ -هنا- مؤكِّدةٌ
للوجوبِ وهوَ: (التَّشَبُّهُ بالكفَّارِ).." اهـ
["آداب الزفاف"، (ص: 209)، ط
الأولى للطبعة الشّرعية الوحيدة، (1423هـ) مكتبة المعارف، الرّياض].
4- انتكاسٌ في خصلَةٍ من خصالِ الفِطْرَةِ:
قالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ،
وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ)).. الحديث. ["صحيح
مسلم"، 6 - (261)].
وقيلَ في معنى (الفِطْرَة) عِدَّة
أقوالٍ:
"- الفطْرةُ: الدّين.
- الفطرةُ: السُّنّة.
- الفطرةُ: سُنَّةُ الأَنبِيَاءِ
الَّذِينَ أُمِرْنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ، فَكَأَنَّا فُطِرْنَا عَلَيْهَا.
- الفطرةُ: السُّنَّةُ القديمةُ التي اخْتَارها
الأَنبِيَاءُ، واتَّفَقَتْ عليها الشَّرائعُ؛ فكأنَّها أمرٌ جبِلِّيٌّ فُطِرُوا
عليهِ.
- الفطرةُ: السُّنَّةُ الَّتِي فُطِرَ عليها
إِبْرَاهِيمُ السُّنَّةُ الَّتِي فُطِرَ عليها إِبْرَاهِيمُ عليهِ السَّلَام، عَلَى
التَّدَيُّنِ بِهَا.
- الفطْرَةُ: تَوَابِعُ الدِّينِ.
- الفِطْرَةُ: دِينُ اللهِ الَّذِي
اخْتَارَهُ لِأَوَّلِ مَفْطُورٍ مِنَ الْبَشَرِ.
- الفطرةُ: فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا،
وَرُكِّبَ فِي عُقُولِهِمُ اسْتِحْسَانُهَا.
- الفطرةُ: الخَلْقُ والجِبِلَّة"
اهـ مُختصرًا من: ["مرقاة المفاتيح"، و"فيض القدير"].
5- تغييرُ خلْقِ اللهِ:
-
قالَ سُبحانَهُ في سورةِ (النّساء): {لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ
عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ
وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن
دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119) يَعِدُهُمْ
وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (120)}.
-
قالَ الوالدُ -رحمَهُ اللهُ-:
"لعَنَ
النَّامصَةَ -وهيَ الَّتي تنتفُ شعرَ حاجبَيْها أو غيرِهِ بقصْدِ التَّجميلِ-، وعلَّلَ
ذلكَ بأنَّهُ: (تغييرٌ لخلقِ اللهِ تعالى)؛ والَّذي (يحلِقُ لحيتَهُ) إنَّما يفعلُ
ذلكَ لِلْحُسْنِ -زعَمَ!- وهوَ في ذلكَ يُغيِّرُ خِلْقةَ اللهِ تعالى؛ فهوَ في حُكْمِ
النَّامصةِ تمامًا! ولَا فرقَ إلّا في اللَّفظِ! ولَا
أعتقدُ أنَّهُ يوجدُ -اليومَ- على وجْهِ الأرضِ ظاهريٌّ يجمُدُ على ظاهرِ اللَّفظِ،
ولَا يُمْعِنُ النَّظَرَ في المعْنى المقصودِ منْهُ؛ ولَاسيَّما إذا كانَ مقرونًا
بعلَّةٍ يقتضي عدمَ الجمُودِ عليهِ؛ كقولهِ عليهِ السَّلَامُ -هَهُنا-: ((..لِلْحُسْنِ؛
الـمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ))!". اهـ ["تمام المنّة"،
(ص: 82)].
وبنحوِهِ
ذكرَ الوالدُ في "آداب الزّفاف"، (ص:212).
6- التَّشبُّهُ بالنِّساءِ:
-
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ،
وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ). ["صحيح البخاري"،
(5885)]
-
قالَ والدي -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
"حَرَّمَ*
تشبُّهَ الرِّجالِ بالنِّساءِ؛ و(حلْقُ الرَّجُلِ لحيتَهُ) فيهِ تشبُّهٌ بالنِّساءِ
فيما هوَ مِنْ أظهرِ مظَاهِرِ أنوثتِهِنَّ! فثبُتَ حُرْمَةُ حَلْقِها، ولَزِمَ
وجوبُ إعْفَائِها" اهـ. ["تمام المنّة"، (ص: 82)].
*(حَرَّمَ):
أي: الشّارعُ.
7- تفويتُ الأخذِ بهَدْيِهِ عليهِ الصَّلَاةُ والسَّلامُ في (تخليلِ
اللّحْيَةِ بالماءِ):
عَنْ
أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ؛ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ
حَنَكِهِ، فَخَلَّلَ بِهِ لحيَتَهُ، وَقَالَ: ((هَكَذَا أَمرنِي رَبِّي)).
[رواهُ أبو داود، وصحَّحَهُ والدي
-رحمَهُما اللهُ-. ["مشكاة
المصابيح"، 408 -[18]].
-
وعَنْ حسَّانَ بنِ بِلَالٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ تَوَضَّأَ،
فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: -أَوْ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ-: أَتُخَلِّلُ
لِحْيَتَكَ؟
قَالَ:
«وَمَا يَمْنَعُنِي؟! وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ!».
[رواهُ ابنُ ماجه، وصحَّحهُ والدي
-رحمَهُما اللهُ-. "سنن ابن ماجه"، (429)].
8- تفويتُ الأخذِ بهَدْيَهِ عليهِ الصَّلَاةُ والسَّلامُ في (تَطْيِيبِها):
عَنْ
عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عَنْها، قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي
رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ».
["صحيح البخاريّ"، (5923)].
واللهُ
الهادي إلى سواءِ السّبيل.
وصلَّى
اللهُ على نبيِّنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّم.
كَتَبَتْهُ:
حسَّانةُ بنتُ محمَّدٍ ناصِرِ الدِّينِ بنِ نوحٍ الألبانيّ.
الثّلاثاء
13 شعبان 1438هـ