دروسٌ في التّجويدِ العمليِّ

دروسٌ في التّجويدِ العمليِّ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصّلاةُ والسّلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلينَ؛ أمّا بعدُ:
فعَنْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))
(رواه البخاري وغيره)
وبحولِ اللهِ  تعالى سأخصّصُ في هذا القسمِ؛ دروسًا لتقريبِ كيفيّة أداءِ بعضِ أحكامِ (التّجويدِ) للمبتدئينَ، وذلك براويةِ حفصٍ عن عاصمٍ من طريقِ الشّاطبيّةِ.
 حريصةً -في ذلك- على تيسيرِهَا بالقدْر الّذي يتحقّقُ معه المرغوبُ؛ ولا يُخلُّ بالمطلوبِ، إن شاء الله.
ومن جهة أخرى:
فالتّجويدُ (النّظريُّ) مبسوطٌ في كثيرٍ من كتبِ التّجويدِ للمتقدّمينَ والمتأخّرينَ
أمَّا (العمليُّ) فقد لا يجدْهُ طلاّبُ هذا العلم موسَّعًا مفصًّلاً في الكتب؛ لذا كان (توضيحُهُ) من أهدافي الأساسيّة من هاتِهِ الدّورسِ
وعليهِ؛ فالطّريقةُ -العامّةُ- التي سأسيرُ عليها -إن شاء اللهُ-:
1) أضع القاعدةِ النّظريّة للحكمِ التّجويديِّ، وذلكَ بناءً على ما اصطلحَ عليه أهلُ العلمِ في هذا البابِ، وأختارُ منها ما يفي بالمقصود من الدّرسِ.
2) أبيّنُ الخطواتِ العمليّةَ الـمُوْصِلةَ للأداءِ الصّحيحِ، وذلك بطرحِ نقاطٍ عمليّةٍ للوصولِ إلى تلاوةٍ متقنةٍ -قدْرَ وسعي-، وهي الطّريقةُ نفسُهَا التي نستخدمُهَا مع الطّالباتِ في تفهيمِ التّجويدِ؛ لئلاَّ يكون ثمّةَ فصلٌ بين النّظريّ والعمليّ؛ وأكتبُهَا هنا لتعيمِ الفائدةِ.
فأشرعُ مستعينةً باللهِ تعالى.
 
الدّرسُ الأوّلُ
كيفيّةُ أداءِ حكمِ الغنّةِ في (النّون والميم المشدّدتين)
نّ- مّ
تمهيد:
تعريفُ الغنّة:
"لغة: صوت أغَنّ يخرج من: الخيشوم؛ لا عمل للّسان به
اصطلاحًا: صوت أغنّ مركبٌ في جسمِ النّون -ولو تنوينًا- والميم مطلقًا" ا.ه
يُنظر: "هداية القاري في تجويد كلام الباري"
 
 
ومعنى: (لا عمل للّسان به)؛ أي: صوت الغنّة يخرج من الخيشوم فقط، ولا يشاركه أدنى عمل للّسان، بحيث لو لم نحرّك اللّسان لبقي صوتُ الغنّة، ولو أغلقنا الخيشوم بالكلّيّة لانقطع صوت الغنّة بالكلّيّة.
وبتعبير آخر: لا يحتاج إخراج صوت الغنة لمشاركة اللّسان؛ فصوتها يخرج بالضّغط على موضعِ الخيشومِ فقط، فهي صوت فقط.
 
حروفها: اثنان:
1) ن
2) م
 
كيف نطبّق حكمَ (الغنّة) عند نطق النّون المشدّدة؟
نّ: عبارة عن حرفين: (نْ ن)؛ فـ:
أ- ننطق النّون الأولى (السّاكنة) بقرعِ طرفِ اللّسانِ للثةِ الثّنيّتين العُلْيَيَن (مخرج النّون)
ب- نخرج صوت الغنّة بالضّغط على الخيشوم، طيلة نطق النّون
جـ - نعطيها زمنًا يضبط بالمشافهة
وهو زمن أطول من زمن النّون وهي مخفّفة (غير مشدّدة)
أيْ: نتريّث ولا نستعجل؛ بل نقف هنيهة إلى حين انتهاء زمن الغنّة. 
(كل هذه الأعمال "أ-ب-ج" مشتركة في وقت وزمن واحد، إنّما فصّلتُها لأجلِ توضيح النّقاطِ الأساسيّةِ التي لو أتى بها القارئ لوصل للأداء العمليّ المتقن؛ بإذن الله)
دـ- عندما ينتهي زمن الغنّة في النّونِ (الأولى) ننطقُ النّونَ (الثّانيةَ)، حسب حركتها.
 
كيف نطبّق حكمَ (الغنّة) عند نطق الميم المشدّدة؟
مّ: عبارة عن حرفين: (مْ م)؛ فـ:
أ- ننطق الميم الأولى (السّاكنة) بإطباق الشفتين (بتصادمهما معًا) من غير ضغط زائد. (مخرج الميم)
ب- نخرج صوت الغنّة بالضّغط على الخيشوم، طيلةَ نطقِ الميم
جـ - نعطيها زمنًا يضبط بالمشافهة
وهو زمن أطول من زمن الميم وهي مخفّفة (غير مشدّدة)
د- عندما ينتهي زمن الغنّة، ننطقُ الميمَ (الثانيةَ) حسب حركتها.
 
فنلاحظُ:
أن طريقة أداء (الغنّة) في النّون والميم، واحدة، إلاّ أنَّ المخرج مختلف.
 
التّطبيق:
نطبّق حكم (الغنّة) في (النّون المشدّدة) على سورة "النّاس".
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}
وقد أتتْ في الكلمات التّالية:
النَّاسِ
الْخَنَّاسِ
الْجِنَّةِ.
فكلّما نطقنا نونًا مشدّدة؛ نطقنا معها الغنّة بزمن ينضبط بالمشافهة.
............................
نطبّق حكم (الغنّة) في (الميم المشدّدة) على الكلمات القرآنية التّالية:
أمَّا
عَمَّ
مُحَمَّدٌ
فَأُمُّهُ
فكلّما نطقنا ميمًا مشدّدة؛ نطقنا معها الغنّة بزمن ينضبط بالمشافهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخلاصةُ:
كلمّا مررنا بكلمة في القرآن الكريم فيها (نّ) أو (مّ) مشدّدة
نقف عند الحرف (الأوّل) برهة من الزّمن إلى حين الانتهاء من زمن الغنّة
والأمرُ يسيرٌ، إن شاءَ اللهُ
فقط يحتاجُ إلى الأخذ بالأسبابِ، من التّركيز والدّربة
وما توفيقنا إلاَّ بالله.
~ ~ ~
الأحد/28/ذو القعدة/ 1433ه