العلَّامةُ ربيعٌ المدخليُّ: هلْ يجوزُ للدُّعَاةِ إلى اللهِ في أيِّ عصْرٍ من العُصُورِ العُدُولُ عن منْهَجِ الأنبْياءِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ؟



العلَّامةُ ربيعٌ المدخليُّ:
هلْ يجوزُ للدُّعَاةِ إلى اللهِ في أيِّ عصْرٍ من العُصُورِ العُدُولُ عن منْهَجِ الأنبْياءِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ؟

بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيم...
قالَ العلَّامةُ الشّيخُ: ربيعٌ المدخليُّ -حفظَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ النّافعِ الرَّاسِخِ: "منْهَج الأنبْياءِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ فيهِ الحِكْمَةُ والعَقْلُ"**:
"..والآنَ نسأَلُ: هلْ يجوزُ للدُّعَاةِ إلى اللهِ في أيِّ عصْرٍ من العُصُورِ العُدُولُ عن منْهَجِ الأنبْياءِ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ؟
الجوابُ:
في ضَوءِ ما سبقَ وما سيأتي؛ لا يجوزُ (شرعًا ولا عقْلًا) العدولُ عن هذا المنهجِ، واختيارِ سواهُ!
• أوَّلاً: أنَّ هذا هوَ (الطَّريق الأقْومُ) الذي رسمهُ (اللهُ) لـ (جميعِ الأنبياءِ) من أوّلِـهِم إلى آخرِهم!
و(اللهُ) -واضعُ هذا المنهجِ- هو خالقُ الإنسانِ، والعالمُ بطبائعِ البشرِ، وما يُصْلِحُ أرواحَهُمْ وقلوبهُم: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الـمُلْك: 14]، وهو الحكيمُ العليمُ في خلقِهِ وشرعِهِ، وقد شرعَ لأفضَلِ خلقِهِ هذا المنهجَ!

• ثانيًا: أنَّ (الأنبياءَ) قدِ التزمُوهُ وطبَّقُوه؛ مما يدلُّ دلالةً واضحةً أنَّه ليسَ من ميادينِ الاجتهادِ! فلم نجدْ:
1) نبيًّا افْتتحَ دعوتَه بـ (التَّصوّف)!
2) وآخرُ بـ (الفلسفةِ والكلام)!
3) وآخرينَ بـ (السِّياسة)!
بل وجدْناهم يسلكونَ منهجًا واحدًا، واهتمامُهُم واحدٌ بـ (توحيدِ اللهِ أوَّلًا) في الدَّرجةِ الأولى!

ثالثًا: أنَّ اللهَ قد أوجبَ على رسولِنا الكريمِ الذي فرضَ اللهُ علينا اتِّباعَهُ؛ أنْ يقتديَ بهم، ويسلُكَ منهجَهم، فقالَ -بعد أن ذكرَ ثمانيةَ عشرَ منهم-: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام,: 90].
وقدِ اقتدَى بهداهُم في البدءِ بـ (التَّوحيدِ)، والاهتمامِ الشَّديدِ به!

رابعًا: ولـمَّا كانتْ دعوتُهم في أكملِ صُورِها تتمثَّلُ في دعوةِ إبراهيمَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ زادَ اللهُ الأمرَ تأكيدًا؛ فأمرَ نبيَّنا محمَّدًا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ باتِّباعِ منهجِهِ، فقال:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل: 123].
والأمرُ باتِّباعِهِ يشملُ: الأخذَ بملّتِه التي هي: (التَّوحيدُ ومحاربةُ الشركِ)!
ويشملُ: سلوكَ منهجِه في البدءِ بالدَّعوةِ إلى (التَّوحيد)!
وزادَ اللهُ -تعالى- الأمرَ تأكيدًا -أيضًا-؛ فأمرَ أمَّةَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ باتِّباَعِ ملةِ هذا النبيِّ الحنيفِ، فقال تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 95]
إذًا: فالأمّةُ الإسلاميَّةُ مأمورةٌ بـ (اتباعِ ملَّته)، فكما لا يجوزُ (مخالفةُ ملَّتِه)؛ لا يجوزُ العدولُ عن (منهجِهِ في الدَّعوةِ إلى التوَّحيدِ، ومحاربةِ الشِّركِ ومظاهرِه ووسائلِه)!

خامسًا: قالَ اللهُ تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}. [النساء : 59]
فإذا رجعْنا إلى (القرآنِ)؛ أخبرَنا أنَّ  (كلَّ الرُّسلِ):
- كانتْ: عقيدتهُم (عقيدة التَّوحيدِ)!
- وأنَّ دعوتهم كانتْ تبدأُ بـ (التَّوحيدِ)!
- وأنَّ (التَّوحيدِ) أهمُّ وأعظمُ ما جاؤُوا به!
ووجدْنا أنَّ اللهَ قد أمرَ نبيَّنا باتِّباعهمِ، وسلوكِ منهاجِهم!
وإذا رجعنا إلى الرَّسولِ؛ نجدُ أنَّ دعوتَه من (بدايتها) إلى (نهايتها)؛  كانتِ اهْتمامًا بـ (التَّوحيدِ)، و(محارَبةً للشِّركِ ومظاهرِهِ وأسبابِهِ)، -وقد مرَّ بنا عرْضُ شيءٍ من هذا-.

سادسًا: أنَّ (اللهَ) قد خلقَ الكونَ ونظَّمَهُ تنظيمًا كونيًّا وشرعيًّا، فجعلَ للكونِ (سُنَنًا) يسيرُ في نطاقِها؛ لوِ اخْتلَّتْ هذه السُّننُ الكونيَّةُ؛ لفسدَ هذا الكونُ، فوضعَ للسمواتِ والأرضِ والأفلاكِ والكواكبِ والشَّمسِ والقمرِ (سُنَنًا)؛ لوِ اخْتلَّتْ هذه السُّننُ؛ لانتهَى وجودُ هذا الكون!
ومن (سُنَنِ اللهِ الكونيَّةِ): أنَّ الحيوانَ -من إنسانٍ وغيرِه- لا يعيشُ إلَّا بروحٍ وجسدٍ، فلو فارقتِ الرُّوحُ الجسدَ؛ ماتَ الجسدُ وفسدَ وأنتنَ، ووجبَ أن يُوَارَى هذا الجسدُ حتى لا يُؤذي الحيواناتِ بريحه ونتنه!
ومن (سُنَن اللهِ) في عالمِ النَّباتِ: أنَّ الشجرةَ لا تقومُ وتحيا؛ إلاَّ على ساقٍ؛ فإذا استُؤْصِل ساقُها؛ ماتتِ الفروعُ!
وفي (عالمِ الشَّرائعِ): لا تقومُ (الشَّريعةُ) إلَّا على (عقيدةٍ)، فلو خلتْ تلك (الشَّريعةُ)  منَ (العقيدةِ)؛ فسدتْ وما بقيتْ شريعةٌ صحيحةٌ!
فمثلاً: شريعةُ إبراهيمَ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ بقيتْ في الأمَّة العربيَّةِ دهورًا، فلمَّا أدْخَلَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ الخُزَاعيُّ فيها (الشِّركَ)؛ أصبحتْ (شريعةً وثنيَّةً)! فسدَتْ وتغيَّرتْ حقيقتُها؛ لأنَّها فقدتْ (عقيدةَ التَّوحيدٍ) التي قامتْ عليها، والتي كانتْ أصلَها الأصِيل!"...... إلى أن قالَ العلَّامةُ -حفظَهُ اللهُ-:
"ألا تراها دعوةً منظَّمةً، وتشريعًا مُنظَّمًا؛ يبدأُ بـ (أصلِ الأصولِ)، ثمّ يتدرَّجُ من الأهمِّ إلى المهِمِّ؟!
فلماذا لا نفهمُ هذا التنظيم الدَّقيق؟!
ولماذا لا نلتزمُه؟!
ولماذا نفهمُ أنَّه يجبُ علينا أن نلتزمَ سنَّةَ اللهِ التشريعيّةِ، وتنظيمَه الدَّقيقَ في (العباداتِ وجزئيَّاتها)، ولا نفهمُ سنَّةَ اللهِ وتنظيمِه وترتيبِه الدَّقيقِ في (ميدانِ الدَّعوةِ) الذي تتَابَعَ فيه (الأنبياءُ) جميعًا على وتيرةٍ واحدة!
ونستجيزُ مخالفةَ هذا المنهجِ العظيمِ الأصيلِ والعدولَ عنه؟!
إنَّ هذا لأمرٌ خطيرٌ! يجب أن يراجعَ فيه (الدُّعاةُ) عقولهم! ويغيِّروا مواقفَهم!". انتهى مختصرًا. (ص: 99- 107)، ط1، دار الآثار، القاهرة.
جزى اللهُ العلَّامةَ المدخليَّ خيرَ الجزَاء.
- - -
الأحد 18 شهرُ اللهِ الـمُحَرَّم 1437هـ‍