بسمِ الله الرّحمن الرّحيم
الحمدُ لله، والصّلاةُ والسّلامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:
• قالَ اللهُ -عزَّ وجلَّ-:
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف : 2]
{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه : 114]
• فمنَ العلومِ التي يجدرُ أنْ نُحِييَها، ونخصِّصَ لها جلساتِ مدارسةٍ في بيوتِنا: علمُ (الإعرابِ).
فقدْ بدأْنا ننسى حتَّى أسهلَ المفرداتِ فيهِ (الفاعل.. المفعول به.. الجارّ... المجرور.. إلخ)، رغم أننّا كمْ كنَّا نُعربُ مِنْ جملٍ، ونقضي السّاعاتِ لنصلَ إلى إعرابِ كلمةٍ واحدةٍ بالحيَلِ.
ومِنْ أهمِّ ما ينبغي لنا أنْ نهتمَّ بإعرابهِ، هوَ (كلماتُ القرآنِ الكريمِ) هذا الكتابُ العظيمُ الذي نزلَ بلسانِ العربِ، وهوَ الشّاهدُ على ما خطَّهُ علماءُ اللّغةِ والنّحوِ من شواهدَ تُثبتُ صحَّةَ قواعدِهِمْ وتقريراتِهِمْ، فضلًا عنْ أنَّ إعرابَهُ منَ الأدواتِ التي استعانَ بها علماءُ التّفسير.
وتأتي أهمّيّةُ (مدارسةِ إعراب القرآن الكريمِ) من عدّةِ جوانبَ، أذكرُ منها:
1- (إعراب القرآن الكريمِ) متعلِّقٌ بأشرفِ كتابٍ:
وهذا يعني أنَّنا نقضي وقتًا نافعًا مباركًا مع كتابٍ مباركٍ، وحسبُنا في ذلِكَ نعمةً، إنْ أخلصْنا النّيّةَ.
2) (إعراب القرآن الكريمِ) من أسبابِ فهمِ معاني القرآنِ الكريم:
فكم نمرُّ في التّلاوةِ على جملةٍ فيها -مثلًا- حرفُ (ما) فلا ندري هلْ هيَ (ما الموصولة)، أم (ما الاستفهامية)؟
وهذه النّقطة تتعلّقُ بالنّقطة التّالية:
3- (إعراب القرآن الكريمِ) من أسبابِ فقهِ الوقفِ والابتداء:
فمعلومٌ أنَّ القارئَ للقرآنِ الكريم، لا بدَّ لهُ من (وقفٍ) و(ابتداءٍ)، وبالتّالي لا بدَّ أن يعرفَ متعلِّقاتِ الكلماتِ والجملِ إعرابيًّا؛ حتَّى يُحسنَ الوقفَ والابتداءَ، فكمْ من قارئٍ يقفُ وقفًا قبيحَ المعنى ظنًّا منْهُ أنّهُ حسنٌ، وعلى النّقيضِ نجدُ أنَّ القارئَ يتجنَّبُ الوقفَ على موضعٍ كانَ يكفيْهِ الوقوفُ عندَهُ؛ ظنًّا منهُ أنَّهُ لا يَحْسُنُ الوقفُ عليه، وكلُّ ذلكَ لعدمِ إدراكِ التّعلُّقِ الإعرابيِّ بينَ الحروفِ والكلماتِ والجملِ.
4- (إعراب القرآن الكريمِ) يُبرزُ علمًا مخفيًّا ألا هو علمُ (المحذوفات والتّقديرات):
فبعضُ الجملِ القرآنيَّةِ نقرؤُها، ولقلَّةِ بضاعتِنا لا نجدُ - عندنا- جوابًا لها.
كقولِهِ تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النُّور : 10].
فأين جوابُ (لولا)؟
جوابُهُ سنجدُهُ عندما نفقَهُ الإعرابَ.
وهكذا التّقديرُ .
5- (إعراب القرآن الكريمِ) يجعلُ القارئَ يُميِّزُ بينَ ما تضمُّهُ آياتُهُ من حروفٍ ومفرداتٍ: (حرف جر، حرف عطف، حرف قسم، ضمير متّصل، ضمير منفصل، مبتدأ، خبر، صفة، موصوف، إلخ)، ممّا يعينُ على نسبةِ الكلماتِ والأحرفِ القرآنيّةِ إلى معناها الصّحيحِ.
6- (إعراب القرآن الكريمِ) معينٌ على إتقانِ التّجويدِ وتلاوتِهِ بالضّبطِ الصّحيح:
وهذا أمرٌ بدهيٌّ؛ فإنَّ من ثمارِ تلكَ المدارسةِ معرفة موقعِ وحركةِ كلِّ كلمةٍ في القرآنِ الكريم؛ من رفعٍ، نصبٍ، جرٍّ، مجزومٍ، منصوبٍ، ثبوتِ النّون، حذفِ النّون.
وفي القرآنِ الكريمِ كلماتٌ منها ما هو معتلُّ الآخِرِ، ومنها ما هو صحيحُ الآخِرِ، ومنها ما حُذِفَ منهُ حرفُ العلَّة بسبب الجزمِ، ومنها بسببِ معطوفٍ على مجزوم.. وهكذا، وهو ما يُدرسُ في التّجويدِ تحتَ بابٍ كبيرٍ؛ اسمُهُ: (الوقفُ على أواخرِ الكلمِ)، فمعرفةُ أحوالِ تلكَ الكلماتِ مبسوطٌ في كتبِ إعراب القرآن الكريم.
ولذلكَ نجدُ أنَّ مَنْ يُحسنُ الإعرابَ -بالعمومِ-؛ يُحسِنُ تلاوةَ القرآنِ، ويسهُلُ عليهِ تجويدُهُ -على الأغلب-، واللهُ أعلمُ-.
7- (إعراب القرآن الكريمِ) من أسبابِ إدراكِ الأحكامِ العقديّةِ والفقهيّة:
وهذا بابٌ عظيمٌ من ولجَهُ أدركَ حاجَتَنا لنفهمَ الإعرابَ، حتَّى نفهمَ تلكَ الأحكامَ على الوجهِ الصّحيح، فلا نؤَوِّلُ، ولا نعطّلُ، ولا نضطربُ.
8- (إعراب القرآن الكريمِ) من أسبابِ الوقوفِ على إعجازِ القرآن الكريم:
فدراسَةُ إعرابِ القرآنِ الكريمِ تُبرزُ بلاغتَهُ ووجوهَ بيانِهِ، ممَّا يوقفُ على قولِه تعالى: {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت : 42]
هذا باختصارٍ.
فالخلاصةُ المرادُ الوصولُ إليها:
أن نعودَ ونتدارسَ (إعراب القرآن الكريم) على الخُصوصِ، ففي هذِهِ المدارسةِ فوائدُ جمّةٌ، لا يدركُها إلّا مَنْ أبحرَ فيها،
وعلى أقلِّ تقديرٍ، نطرحُ في مجالِسِنا، سؤالًا في إعرابِ كلمةٍ قرآنيّةٍ، نسترجعُ بهِ ذكرياتِ الإعرابِ.
وربّما -حينَها- سنتلكّأُ في الجوابِ، لكنْ حسبُنا أنّنا كنَّا معَ القرآنِ الكريم، وأنَّا تذاكرْنا ما ينبغي لنا ألّا نغفلَ عنْهُ، ونستفيدُ ونستزيدُ معلومةً يُرحلُ إليها، ونُثري مجالِسَنا بالعلمِ النّافعِ، ممَّا نرجو أنْ يكونَ لنا ذخرًا في الآخرةِ.
والعلمُ عندَ اللهِ.
سُبحانَكَ لا عِلْمَ لنا إلَّا ما علّمْتَنا إنّكَ أنتَ العزيزُ الحكيمُ.
وصلَّى اللهُ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّمَ.
كتبتْهُ: حسَّانةُ بنتُ محمَّدٍ ناصرِ الدّينِ بْنِ نوحٍ الألبانيّ.
السّبت 29 شهر الله المحرَّم 1444هـ