فصل في أنَّ اللهَ خلقَ دارَيْن وخصَّ كلَّ دار بأهل!

بسمِ الله الرّحمن الرّحيم

الحمدُ للهِ، والصّلاةُ والسّلامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:

• قالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ-:

"واللهُ -سبحانَهُ- مع كونِه خالقُ كل شيء؛ فهو موصوفٌ بالرِّضا والغضبِ،

والعطاءِ والمنعِ، والخفضِ والرّفعِ، والرّحمةِ والانتقامِ؛

 

فاقتضتْ حكمتُه -سبحانَهُ- أَنْ خَلقَ دارًا لِطالِبي رضاهُ، العاملينَ بطاعتِه،

المؤثرين لأمرِهِ، القائمينَ بمحابِّهِ

وهيَ ((الجنَّةُ))،

وجعلَ فيها كلَّ شيءٍ مَرْضِيٍّ

وملأها مِنْ كلِّ محبوبٍ ومرغوبٍ

ومُشتهًى ولذيذٍ،

وجعلَ الخيرَ -بحذافيرِهِ- فيها،

وجعلَها محلَّ كلِّ طيِّبٍ منَ الذّواتِ والصّفاتِ والأقوالِ.

 

وخلقَ دارًا أُخْرى لِطالِبي أسبابِ غضبِهِ وسخطِه،

المؤثِرين لأغراضِهمْ وحظوظِهمْ على مرضاتِه،

العاملينَ بأنواعِ مخالفتِه،

القائمينَ بما يكرَهُ منَ الأعمالِ والأقوالِ،

الواصفينَ لهُ بما لا يليقُ بِه،

الجاحدينَ لما أخبرتْ به رسلُهُ؛ من صفاتِ كمالِهِ، ونعوتِ جلالِه

وهيَ ((جهنَّمُ))،

وأودعَها كلَّ شيءٍ مكروهٍ،

وسجنُها مليءٌ منْ كلِّ شيءٍ مُؤذٍ ومؤلِمٍ،

وجعلَ الشَّرَ -بحذافيرِهِ- فيها،

وجعلَها محلَّ كلِّ خبيثٍ منَ الذَّواتِ، والصّفاتِ، والأقوالِ، والأعمالِ.

 

فهاتانِ ((الدَّارانِ))؛ هما دارَا القرارِ. 

 

• وخلقَ دارًا ثالثةً؛ هيَ كالميناءِ لهاتينِ الدَّارينِ،

ومنها يتزوَّدُ المسافرونَ إليهما؛

وهي: دارُ ((الدُّنيا))"! 

انتهى كلامُهُ رحمَهُ الله.

من كتاب: "طريق الهجرتين وباب السّعادتين"، ص: 180، دار المعرفة، بيروت.

 

الثّلاثاء 13 ذو الحجّة 1443هـ‍‍‍‍‍‍‍