من ترجمةِ الإمامِ الطّبرانيّ رحمَهُ الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ، والصّلاةُ والسّلامُ على رسولِ اللهِ، وبعدُ:

ممَّا وردَ في كتابِ "سير أعلام النّبلاء"* في ترجمةِ الإمامِ (الطّبرانيِّ) -رحمَهُ اللهُ-:

• هُوَ: الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، الرَّحَّالُ، الجَوَّالُ، مُحَدِّثُ الإِسلاَمِ، عَلَمُ المعمَّرينَ،

أَبُو القَاسِمِ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَيُّوْبَ بنِ مُطَيّرٍ اللَّخْمِيُّ، الشَّامِيُّ، الطَّبَرَانِيُّ، صَاحبُ المَعَاجِمِ الثَّلاَثَةِ.

 

• مَوْلِدُهُ: بِمدينَةِ عكَّا، فِي شَهْرِ صَفَرٍ، سنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ عَكَّاوِيَّةً.

وَأَوَّلُ سمَاعِهِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ، وَارْتَحَلَ بِهِ أَبُوْهُ، وَحَرَصَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ، مِنْ أَصْحَابِ دُحَيْمٍ، فَأَوَّلُ ارتحَالِهِ كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ، فَبقِي فِي الارتحَالِ وَلقِيِّ الرِّجَالِ ستَّةَ عشرَ عَاماً، وَكَتَبَ عَمَّنْ أَقبلَ وَأَدبرَ، وَبَرَعَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَعُمِّرَ دَهْراً طَوِيْلاً، وَازدحَمَ عَلَيْهِ المحدِّثُونَ، وَرحلُوا إِلَيْهِ مِنَ الأَقطَارِ.

 

• وَسَمِعَ: بِالحَرَمَيْنِ، وَاليَمَنِ، وَمدَائِنَ الشَّامِ وَمِصْرَ، وَبغدَادَ، وَالكُوْفَةِ، وَالبَصْرَةِ، وَأَصْبَهَانَ، وَخوزستَانَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتوطنَ أَصْبَهَانَ، وَأَقَامَ بِهَا نَحْواً مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً ينشُرُ العِلْمَ وَيُؤَلِّفهُ، وَإِنَّمَا وَصلَ إِلَى العِرَاقِ بَعْدَ فرَاغِهِ مِنْ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالحِجَازِ وَاليَمَنِ، وَإِلاَّ فَلَو قصدَ العِرَاقَ أَوَّلاً لأَدركَ إِسْنَاداً عظيماً.

 

• وَمِنْ توَالِيفِهِ:

- (المُعْجَمُ الصَّغِيْرُ) فِي مُجَلَّدٍ، عَنْ كُلِّ شَيْخٍ حَدِيْثٌ،

- وَ(المُعْجَمُ الكَبِيْرُ) وَهُوَ مُعْجَمُ أَسمَاءِ الصَّحَابةِ وَترَاجمِهِم وَمَا رَوَوْهُ، لَكنْ لَيْسَ فِيْهِ مُسْندُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلاَ اسْتوعبَ حَدِيْثَ الصَّحَابَةِ المُكثرينَ، فِي ثَمَانِ مُجَلَّدَاتٍ،

- وَ(المُعْجَمُ الأَوسطُ) عَلَى مشَايِخِهِ المُكثرينَ، وَغَرَائِبُ مَا عِنْدَهُ عَنْ كُلِّ وَاحدٍ، يَكُونُ خَمْسَ مجلدَاتٍ.

وَكَانَ الطَّبَرَانِيُّ - فِيمَا بلغنَا - يَقُوْلُ عَنِ (الأَوسطِ): "هَذَا الكِتَابُ رُوحي"!

 

• وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ:

سَأَلَ أَبِي أَبا القَاسِمِ الطَّبَرَانِيَّ عَنْ كَثْرَةِ حَدِيْثِهِ،

فَقَالَ: كُنْتُ أَنَامُ عَلَى البوَارِي ثَلاَثِيْنَ سَنَةً!    [البواري: الحصير المنسوج]

 

• قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ بُنْدَارَ يَقُوْلُ:

دَخَلتُ العَسْكَرَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ،

فَحَضَرْتُ مَجْلِسَ عَبْدَانَ، وَخَرَجَ ليُمْلِي،

فَجَعَلَ المُسْتَمْلِي يَقُوْلُ لَهُ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُملِي؟

فَيَقُوْلُ: حَتَّى يحضرَ الطَّبَرَانِيُّ!

قَالَ: فَأَقبلَ أَبُو القَاسِمِ بَعْدَ سَاعَةٍ متَّزِراً بِإِزَارٍ مُرتَدِياً بآخَرَ، وَمَعَهُ أَجْزَاءٌ،

وَقَدْ تبعَهُ نَحْو مِنْ عِشْرِيْنَ نَفْساً مِنَ الغُرباءِ مِنْ بلدَانٍ شَتَّى؛ حَتَّى يُفِيدَهُمُ الحَدِيْث.

 

• قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ المُعَدَّلُ: الطَّبَرَانِيُّ أَشهرُ مِنْ أَنْ يُدَلَّ عَلَى فَضلِهِ وَعِلْمِهِ،

كَانَ وَاسِعَ العِلْمِ كَثِيْرَ التَّصَانِيْفِ،

وَقِيْلَ: ذَهَبتْ عينَاهُ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ؛ فَكَانَ يَقُوْلُ: الزنَادقَةُ سَحَرَتْنِي،

فَقَالَ لَهُ يَوْماً حَسَنٌ العَطَّارُ -تلمِيذُهُ- يمتَحِنُ بصَرَهُ:

كَمْ عَدَدُ الجُذُوعِ الَّتِي فِي السَّقْفِ؟

فَقَالَ: لاَ أَدْرِي، لَكِنْ نقشُ خَاتمِي: سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ.

-قُلْتُ: هَذَا قَالَهُ عَلَى سَبِيْلِ الدُّعَابَةِ-.

قَالَ: وَقَالَ لَهُ مرَّةً: مَنْ هَذَا الآتِي؟ -يَعْنِي: ابْنَهُ -.

فَقَالَ: أَبُو ذرٍّ، وَلَيْسَ بِالغِفَارِيِّ!

 

• وَلأَبِي القَاسِمِ مِنَ التَّصَانِيْفِ:

كِتَابُ (السُّنَّةِ) مُجَلَّدٌ، كِتَابُ (الدُّعَاءِ) مُجَلَّدٌ، كِتَابُ (الطوالاَتِ) مُجيليدٌ، كِتَابُ (مُسندِ شعبةَ) كَبِيْرٌ، (مُسْنَدُ سُفْيَانَ)، كِتَابُ (مَسَانِيْدِ الشَّامِيِّينَ)، كِتَابُ (التَّفْسِيْرِ) كَبِيْرٌ جِدّاً، كِتَابُ (الأَوَائِلِ)، كِتَابُ (الرَّمْيِ)، كِتَابُ (المنَاسِكِ)....وَغَيْرُ ذَلِكَ...

وَأَكثرُهَا مَسَانِيْدُ حفَّاظٍ وَأَعِيَانٍ، وَلَمْ نَرَهَا.

 

• وَقَدْ عَاشَ الطَّبَرَانِيُّ مائَةَ عَامٍ وَعشرَةَ أَشْهُرٍ!

قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ:

تُوُفِّيَ الطَّبَرَانِيُّ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيتَا مِنْ ذِي القِعْدَةِ سنَةَ سِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، بأَصْبَهَانَ" انتهى مختَصرًا.

رحمَهُ اللهُ تعالى.

*ج16، ص: 119- 129، ط1، 1403هـ‍‍‍‍‍‍‍، أشرف على التّحقيق وخرَّجَ أحاديثَهُ : شعيب الأرناؤوط، وحقّق هذا الجزء: أكرم البوشي، مؤسّسة الرّسالة، بيروت.