معَ (الثّلجِ) وَ (البَرَدِ)
في (الدُّعاءِ)!
بسمِ
اللهِ الرَّحمَٰنِ الرّحيم...
الحمدُ
للهِ، والصّلاةُ والسّلامُ علىٰ رسولِ اللهِ، وبعدُ...
لئنْ
كانَ منظرُ (الثّلجِ) بديعًا بهيجًا مهيبًا! فهوَ في (الدّعاءِ) أبلغُ!
(الثّلجُ) يكْسُو ربوعَ الـمدنِ وقممَ الجبالِ،
وما هيَ إلَّا أيّامٌ ويتلاشىٰ؛ ليبقىٰ بهاؤُهُ آثارًا في (الذَّاكرةِ)!
أمَّا
في (الدّعاءِ)؛ فآثارُهُ تبقىٰ إلىٰ (الآخرةِ)!
لذا؛
وكي نشدَّ وثاقَ ما نراهُ من (آياتِ اللهِ الكونيّة)، مع (النُّصوصِ الشّرعيّة)؛
أسوقُ هَٰذا الموضوعَ معَ بعضِ (الأدعيةِ) التي وردَ فيها ذكرُ (الثّلجِ)؛ راجيةً
اللهَ جلَّ جلالُهُ؛ أن يكونَ نافعًا مقبولًا.
• عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهِ عَنْهُ، قَالَ:
كَانَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسكُتُ بَين التَّكْبِير وَبَين
الْقِرَاءَة إِسْكَاتَةً -قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً- فَقُلْتُ:
بِأَبِي
وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ! إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالقِرَاءَةِ؛ مَا
تَقُولُ؟
قَالَ:
((أَقُولُ:
اللَّهُمَّ! بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ
المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ
اللَّهُمَّ!
نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا؛ كَمَا يُنَقَّىٰ الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ
اللَّهُمَّ
اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ))!
[حديث
متّفقٌ عليه]
•
وعنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَىٰ، أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:
((اللهُمَّ!
لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاءِ، وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ
شَيْءٍ بَعْدُ
اللهُمَّ!
طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَالْمَاءِ الْبَارِدِ
اللهُمَّ!
طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ
مِنَ الْوَسَخِ))!
["صحيح
مسلم"، كتاب الصّلاة، بَابُ ما يَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكوعِ،
الحديث رقم: 204- (476)]
•
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَىٰ -أيضًا-؛ قَالَ:
كَانَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((اللَّهُمَّ!
بَرِّدْ قَلْبِي بِالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَالْـمَاءِ البَارِدِ
اللَّهُمَّ!
نَقِّ قَلْبِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ
الدَّنَسِ))!
[رواهُ التّرمذيُّ، وصحَّحَهُ والدي -رحمهمُ
اللهُ أجمعين-. يُنظرُ: "صحيح سنن التّرمذيّ" كتاب الدّعوات، باب في
دعاءِ النّبيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث رقم (3547)]
• عَنْ
عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللهُ عنْهُ، قالَ:
صَلَّىٰ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَنَازَةٍ
فَحَفِظْتُ
مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ:
((اللهُمَّ!
اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ،
وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ
وَاغْسِلْهُ
بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ
وَنَقِّهِ
مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ
وَأَبْدِلْهُ
دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا
مِنْ زَوْجِهِ
وَأَدْخِلْهُ
الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ -أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ-))!
قَالَ:
«حَتَّىٰ تَـمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَٰلِكَ الْمَيِّتَ»!
["صحيح
مسلم"، كتاب الجنائز، بَابُ الدُّعاءِ لِلْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ، رقم 85 -
(963)]
•
جاءَ في "حاشية السّنديّ على سنن ابنِ ماجه":
"قَوْلُهُ
(بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ): -بِفَتْحِ الرَّاءِ-: حَبُّ الْغَمَامِ؛
أَيْ: بِأَنْوَاعِ الْمُطَهِّرَاتِ. وَالْمُرَادُ: مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ،
وَسَتْرُهَا بِأَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ وَالْأَلْطَافِ.
قِيلَ:
وَ(الْـخَطَايا)؛ لِكَوْنِـهَا مُؤَدِّيَةٌ إِلَىٰ (نَارِ جَهَنَّمَ)؛ نُزِّلَتْ
مَنْزِلَتُهَا؛ فَاسْتُعْمِلَ فِي مَحْوِهَا مِنَ (الْبَرْدَاتِ) مَا يُسْتَعْمَلُ
فِي (إِطْفَاءِ النَّارِ)"! اهـ
[(1/
269)، ط2، الناشر: دار الجيل - بيروت]
• وفي
"تحفة الأحوذيّ بشرحِ جامعِ التّرمذيّ":
"قَوْلُهُ
((اللَّهُمَّ بَرِّدْ قَلْبِي))؛ أَيْ: اجْعَلْهُ بَارِدًا
(وَالْبَرَدُ)
-بِفَتْحَتَيْنِ-: هُوَ حَبُّ الْغَمَامِ" اهـ
[(9/
373-374)، دار الكتب العلميّة، بيروت]
• وفي
"فتح الباري" لابن حجر -رحمَهُ اللهُ-:
"وَحِكْمَةُ الْعُدُولِ عَنِ (الْمَاءِ
الْحارِّ) إِلَىٰ (الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ)
مَعَ
أَنَّ الْحارَّ -فِي الْعَادَةِ- أَبْلَغُ فِي إزَالَةِ الْوَسَخِ؛ الإشارةُ
إِلَىٰ أَنَّ:
(الثَّلْجَ)
وَ(الْبَرَدَ) مَاءَانِ طَاهِرَانِ؛ لَمْ تَـمَسَّهُما الأيْدِي
وَلَمْ
يَـمْتَهِنْهُمَا الِاستِعْمَالُ
فَكَانَ
ذكرُهُمَا آكَدُ فِي هَٰذَا الْمَقَامِ...
وَلَهُ
تَوْجِيهٌ آخَرُ؛ وَهُوَ أَنَّهُ:
جَعَلَ
(الـخَطَايا) بِـمَنْزِلَةِ (النَّارِ)؛ لِكَوْنِها تُؤَدِّي إِلَيهَا!
فَعَبَّرَ
عَنْ إِطْفَاءِ حرارَتِـهَا بِـ (الْغسْلِ)؛ تأكيدًا فِي إطْفَائِها
وَبالَغَ
فِيهِ باستِعْمَالِ (الْمُبَرِّدَاتِ) تَرَقِّيًا عَنِ (الْمَاءِ) إِلَىٰ أبْرَدَ
منْهُ؛ وَهُوَ (الثَّلْجُ)!
ثُـمَّ
إِلَىٰ أبْرَدَ منْهُ؛ وَهُوَ (الْبَرَدُ)!
بِدَليلِ
أَنَّه قَدْ يَـجْمُدُ، وَيَصِيرُ جَلِيدًا؛ بِخِلاَفِ (الثَّلْجِ)؛ فَإِنَّه
يَذُوبُ!" اهـ. باختصار.
[(11/177-178)،
ط دار المعرفة - بيروت]
•
قالَ الإمامُ ابنُ القيّمِ -رحمهُ اللهُ-:
"وَسَأَلْتُ
شَيْخَ الْإِسْلَامِ عَنْ معنَىٰ دُعَاءِ النَّبيِّ صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
((اللَّهُمَّ!
طَهِّرْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ))
كَيْفَ
يُطَّهِّرُ الْخَطَايا بِذَٰلِكَ؟!
وَمَا
فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِذَٰلِكَ؟
وَقولُهُ
في لَفْظٍ آخَرَ ((وَالْمَاءِ الْبَارِدِ))؛ وَالـحَارُّ أَبْلَغُ في الإنْقَاءِ؟!
فَقَالَ:
(الـخَطَايا)؛
تُوجِبُ لِلْقَلبِ حرارَةً وَنَجَاسَةً وَضَعْفًا
فَيَرْتَـخِي
القلْبُ، وَتَضْطَرِمُ فِيهِ نَارُ الشَّهْوَةِ، وَتُنَجِّسُهُ
فَإِنَّ
الـخَطَايا وَالذُّنُوبَ لَهُ؛ بِـمَنْزِلَةِ الـحَطَبِ الذي يَـمُدُّ النَّارَ
وَيُوقِدُهَا!
وَلِهَذَا
كُلَّمَا كَثُرَتِ الـخَطَايا؛ اشْتَدَّتْ نَارُ الْقَلبِ، وضَعْفُهُ
وَ(الْمَاءُ)
يَغْسِلُ الـخُبْثَ، وَيُطْفِئُ النَّارَ
فَإِنْ
كَانَ (بَارِدًا)؛ أَوْرَثَ الْجِسْمَ صَلاَبَةً وَقُوَّةً!
فَإِنْ
كَانَ مَعَه (ثَلْجٌ) وَ(بَرَدٌ)؛ كَانَ أَقْوىٰ في التَّبريدِ، وَصَلابَةِ
الْجِسْمِ وَشِدَّتِهِ!
فَكَانَ
أَذَهَبَ لِأَثَرِ الـخَطَايا"!
هَذَا
مَعَنىٰ كَلاَمِهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَىٰ مَزِيدِ بَيَانٍ وَشَرْحٍ:
فَاعْلَمْ!
أَنَّ هَاهُنَا أَربعَةَ أُمورٍ:
•
أَمْرَانِ حِسِّيَّانِ!
•
وَأَمْرَانِ مَعْنَوِيَّانِ!
فَـ
(النَّجَاسَةُ) التي تَزُولُ بِالْمَاءِ؛ هيَ ومُزيلُها (حِسِّيَّانِ)!
وَأَثَرُ
(الـخَطَايا) التي تَزُولُ بِـ (التَّوْبَةِ والِاستِغفارِ)؛ هيَ ومُزيلُها
(مَعْنَوِيَّانِ)!
وَ(صَلَاحُ
القلبِ وَحَيَاتُهُ وَنَعِيمُهُ)؛ لَا يتِمُّ إلَّا بِـهَٰذَا وَهَٰذَا!
فَذَكَرَ
النّبيُّ صَلَّىٰ اللهُ تَعَالَىٰ عَلَيه وآلهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ شَطْرٍ
قِسْمًا نَبَّهَ بِهِ عَلَىٰ الْقِسْمِ الْآخَرِ!
فَتَضَمَّنَ
كلَامُهُ (الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ) في غَايَةِ الِاخْتِصَارِ، وَحُسْنِ
الْبَيَانِ!
كَمَا
في حَديثِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ:
((اللَّهُمَّ!
اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِى مِنَ الـمُتَطَهِّرِينَ))
فَإِنَّه
يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعةِ"! اهـ
["إغاثة
اللّهفان من مصايد الشّيطان"، (1/57)، مكتبة المعارف، الرياض]
•
ملحقاتٌ متفرّقةٌ!
-
بـما أنَّ الحديثَ عنِ (الثّلجِ)، فأسوقُ ما وردَ في "صحيح البخاريّ"،
كتاب الصَّلاة، بابُ الصَّلاةِ في السُّطُوحِ وَالـمنبَرِ والـخَشبِ:
"وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ: «عَلَىٰ
الثَّلْجِ»"!
وردَ
في "فتح الباري لابن رجب":
"مَقْصُودُ
الْبُخَارِيِّ بِهَذَا الْبَابِ: أَنَّه تـجوزُ الصَّلاةُ عَلَىٰ مَا عَلَا
عَلَىٰ وَجْهِ الأَرْضِ؛ سَواءٌ كَانَ
مَوْضُوعًا عَلَيهَا وَضْعًا؛ كَمِنْبَرٍ وَسَرِيرٍ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ،
أَوْ كَانَ مَبْنيًّا عَلَيهَا؛ كَسَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَغُرْفَةٍ مَبْنيَّةٍ
عَلَيهِ، أَوْ عَلَىٰ غَيْرِهِ، وَكَذَٰلِكَ مَا عَلَا عَلَىٰ وَجْهِ الأَرْضِ مِمَّا يَذُوبُ؛ (كَالثَّلْجِ
وَالْجَلِيدِ)!" اهـ
[(2/
442)، ط1 (1417هـ)، مكتب تحقيق دار الحرمين - القاهرة]
وتُبحثُ
أقوالُ العلماءِ في (جواز الصلاةِ على الثّلجِ)، إذا كان جامدًا أو غير جامدٍ في
مظانّها.
-
وفي "سنن النَّسائيّ": بابُ الِاغتسالِ بالثّلجِ والبَرَدِ! وبابُ
الِاغتسالِ بالماءِ الباردِ! وساقَ فيهما حديثَ ابنِ أبي أوفَىٰ: ((اللَّهُمَّ!
طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ)).. الحديث.
-وهناكَ
مسائلُ عن (هل يجوزُ التّيمُّمُ بالثّلجِ)! تُنظَرُ في أبوابِهِا في الفقهِ.
-
وختامًا: فاللهَ أسألُ أن يُبرِّدَ قلوبنَا، ويطهِّرَنا بالثّلجِ والبَردِ والماءِ
الباردِ...
إنه
سميعٌ عليم..
وصلّىٰ
اللهُ وسلَّمَ علىٰ نبيِّنا محمّدٍ.
~ ~
~
كتبتْهُ:
حسّانة، في أيّامٍ تساقَطَ فيها ثلجٌ كثيفٌ علىٰ العديدِ منَ الأمصارِ، بفضلِ اللهِ
ورحمتِهِ.
الأحد:
12 -صفر- 1435هـ