فائدةٌ في سبب ورودِ ضمير الجمعِ في قولِهِ تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ}

 بسمِ اللهِ الرّحمن الرّحيم

فائدةٌ في سببِ ورودِ ضميرِ الجمعِ في قولِهِ تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ}، لابنِ القيِّمِ* -رحمَهُ اللهُ-:

"..فالصّوابُ أن يُقالَ: هذا مطابقٌ لقولِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

والإتيانُ بـ(ضميرِ الجمعِ) في الموضعينِ؛ أحسنُ وأفخمُ؛ فإنَّ المقامَ مقامَ:

- عبوديّةٍ وافتقارٍ إلى (الرَّبِّ تَعالى)

- وإقرارٍ بالفاقةِ إلى عبوديَّتِهِ واستعانتِهِ وهدايتِهِ

فأتى بِهِ بصيغةِ (ضميرِ الجمعِ)؛ أي:

نحنُ معاشرُ عبيدِكِ مُقِرُّونَ لكَ بالعبوديَّةِ.

وهذا كما يقولُ العبدُ للملِكِ المعظَّمِ شأنُهُ: "نحنُ عبيدُكَ ومماليكُكَ وتحتَ طاعتِكِ، ولا نخالِفُ أمرَكَ"

فيكونُ هذا أحسنُ وأعظمُ موقعًا عندَ الملِكِ منْ أنْ يقولَ: "أنا عبدُكَ ومملوكُكَ".

ولهذا لو قالَ: "أنا وحدِي مملوكُكَ"؛ استدْعَى مقتَهُ

فإذا قالَ: "أنا وكلُّ من في البلدِ مماليكُكَ وعبيدُكَ وجندٌ لكَ"؛ كانَ أعظمَ وأفخمَ؛ لأنَّ ذلكَ يتضمّنُ أنَّ عبيدَكَ كثيرٌ جدًّا وأنا واحدٌ منهمْ، وكلُّنا مشتركونَ في عبوديَّتِكَ، والاستعانِةِ بكَ، وطلبِ الهدايةِ منكَ.

فقد تضمَّنَ ذلكَ منَ (الثّناءِ على الرّبِّ) بسعَةِ مجدِهِ، وكثرةِ عبيدِهِ، وكثرةِ سائليهِ الهدايةَ ما لا يتضمّنُهُ لفظُ الإفرادِ. فتأملْهُ!

وإذا تأمَّلْتَ (أدعيةَ القرآنِ) رأيتَ عامَّتَها على هذا النَّمطِ؛ نحوُ:

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}

ونحوُ دعاءِ آخرِ "البقرة"، وآخرِ "آل عمران" وأوَّلِها، وهوَ أكثرُ أدعيةِ القرآن" اهـ‍‍‍‍‍‍‍

واللهُ تعالَى أعلَمُ.

* "بدائع الفوائد"، ج2، ص: 39-40، دار الفكر.

السّبت 7 جمادى الثّانية 1444هـ