من تفسير العلّامة السّعديّ لقوله تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} الآية من سورة النّحل

 بسمِ الله الرّحمن الرّحيم

قالَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- في سورةِ "النّحْل":

 {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [من الآية 89]

 

قالَ العلّامةُ السّعديُّ -رحمَهُ اللهُ- في تفسيره* للآيةِ الكريمةِ:

"وقولُهُ: {وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} في أصولِ الدِّينِ وفروعِه،

وفي أحكامِ الدَّارَيْن، وكلِّ ما يحتاجُ إليه العبادُ،

فهوَ مبيَّنٌ فيهِ أتمَّ تبيينٍ؛ بألفاظٍ واضحةٍ، ومعانٍ جليَّةٍ،

حتَّى إِنَّه -تَعالى- يُثنِّي فيهِ الأمورَ الكبارَ التي يحتاجُ القلبُ لمرورِها عليه كلَّ وقتٍ، وإعادتِها في كلِّ ساعةٍ،

 ويعيدُها ويُبديها بألفاظٍ مختلفةٍ، وأدلَّةٍ متنوِّعةٍ؛ لِتستقرَّ في القلوبِ؛ فتثمرَ منَ الخيرِ والبرِّ بحسبِ ثبوتِها في القلبِ،

وحتَّى إِنَّه -تَعالى- يجمعُ في اللَّفظِ القليلِ الواضحِ معانيَ كثيرةً يكونُ اللَّفظُ لها كالقاعدةِ والأساسِ، واعتَبِرْ هذا بالآيةِ التي بعدَ هذِهِ الآيةِ وما فيها منْ أنواعِ الأوامرِ والنَّواهي التي لا تُحْصى،

فلمَّا كانَ هذا القرآنُ {تبيانًا لكلِّ شيءٍ}؛ صارَ حُجَّةَ اللهِ على العبادِ كلِّهم؛

فانقطعَتْ بهِ حُجَّةُ الظَّالمين،

وانتفعَ بهِ المسلمونَ،

فصارَ (هدًى) لهُمْ؛ يهتدونَ بهِ إلى أمر ِدينِهم ودنياهُم،

و(رحمةً) ينالونَ بهِ كلَّ خيرٍ في الدُّنيا والآخرة.

فـ(الهدُى): ما نالُوه بهِ من علْمٍ نافعٍ، وعملٍ صالحٍ،

و(الرَّحمةُ): ما ترتَّبَ على ذلكَ من ثوابِ الدُّنيا والآخرةِ؛

كـ :

- صلاحِ القلبِ وبرِّهِ وطُمأنينتِهِ،

- وتمامِ العقلِ الذي لا يتمُّ إلَّا بتربيتِهِ على معانيهِ التي هيَ أجلُّ المعاني وأعلَاها،

- والأعمالِ الكريمةِ والأخلاقِ الفاضلةِ،

- والرِّزقِ الواسعِ،

- والنَّصرِ على الأعداءِ بالقولِ والفِعلِ،

- ونيلِ رضا اللهِ -تعالى- وكرامتِهِ العظيمةِ التي لا يُعلَمُ ما فيها منَ النَّعيمِ المقيمِ إلَّا الرَّبُّ الرَّحيمُ!" انتهى.

واللهُ تعالى أعلمُ.

* "تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنان"، ص: 447، ط4، 1426هـ‍‍‍‍‍،

تحقيق: عبد الرّحمن بن معلّا اللّويحق، مؤسّسة الرّسالة، بيروت.

الإثنين 13 ربيع الآخر 1444هـ