بسمِ اللهِ
الرَّحمن الرَّحيم
أبياتٌ
بليغةٌ من"نونيّة" ابن قيّم الجوزية
-رحمهُ
اللهُ-
"في
تيسيرِ السّيرِ إلى اللهِ على المثْبِتِينَ الموحِّدِين
وامتنَاعِهِ
على المعطِّلينَ والمشركينَ".
يا قـَــــاعدًا
سارَت بِـــــــهِ أنفاسُــهُ ... سَيرَ البريـــــــــدِ وليسَ بالذَّمَلَانِ!
حتَّى متى
هَٰذا الـــرُّقادُ وقــْد سرَى ... وفــدُ الـمحبَّةِ مع أولي الإحسانِ؟!
وَحَدَتْ
بهمْ عزماتُهُمْ نحـوَ العُــــــلَى ... لا حَــــــــادِيَ الرُّكبانِ والأظعانِ!
ركبــُـــوا
العزائمَ واعْتَلَوا بظهـُــورِهَا ... وسَرَوا فـما حنَّـــــــوا إلى نُعمَـــانِ!
سارُوا رويـــــدًا
ثمَّ جــــــاؤُوا أوَّلًا ... سيرَ الدَّليـــــــــلِ يؤمُّ بالــــرُّكبانِ!
سارُوا
بإثباتِ الصِّفاتِ إليهِ لا التَّـ ... ـعطيلِ والتَّحــــــــريفِ والنُّكرانِ!
عَرَفُــــوهُ
بالأوصافِ فامتلأتْ قُلُو ... بُهُمُ لـَــــــــهُ بالحبِّ والإيـــمـــــانِ!
فتطايَرَتْ
تلكَ القـــــلوبُ إليهِ بالـ ... أشـْـــــواقِ إذْ مُلِئَتْ مِنَ العِرفانِ!
وأشـــــــدُّهُم
حبًّا لــــــــهُ أدْرَاهُــــمُ ... بصفــــــــــاتِهِ وحقائـِـــــقِ القرآنِ!
فالحبُّ يتْبـَــــــعُ
للشُّــــعورِ بحسْبِهِ ... يقْــــوَى ويضْعُفُ ذاكَ ذو تبيانِ!
ولذاكَ كانَ
العـــــــــارِفُونَ صفــاتِهِ ... أحبابُـــــــهُ هُمْ أهْل هَٰذا الشَّانِ!
ولذاكَ كانَ
العـــــــــــالمون بربـِّـــهِمْ ... أحبابـُــــــهُ وبشِرعـَةِ الإيــــمـــانِ!
ولذاكَ كانَ
المنكـِــــرونَ لها هُـمُ الـ ... أعْـــــداءُ حقًّا همْ أولو الشَّنَآنِ!
ولذاكَ كانَ
الجاهـــــــــلونَ بذَا وذَا ... بُغَضَــــــاؤُهُ حقًّـــا ذَوي شَنَآنَ!
أرقام الأبيات
من (4094- 4107)، (ص: 296-297)، ط1 (1416هـ)، دار ابن خزيمة، السّعوديّة.
• معنى
(الذَّمَلان):
في "معجم
مقاييس اللغة":
"(ذَمَلَ)
الذَّالُ وَالْمِيمُ وَاللَّامُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فِي ضَرْبٍ مِنَ السَّيْرِ. وَذَلِكَ
الذَّمِيلُ، كَالْعَدْوِ مِنَ الْإِبِلِ; يُقَالُ ذَمَّلْتُ الْجَمَلَ، إِذَا حَمَلْتَهُ
عَلَى الذَّمِيلِ" اهـ
(2/ 360).
• وفي شرح
تلك الأبيات، للشّيخ: محمد خليل هراس -رحمهُ اللهُ-:
"يخاطبُ
المؤلِّف هذا القاعدَ المتخلِّف الذي تسيرُ به أنفاسُه اللاهثةُ سير ركائبِ البريدِ
الوانيةِ المتباطئةِ؛ لا سير الذَّوامِلِ النَّشيطةِ السَّاعيةِ فيقولُ له:
حتى متى تغطُّ
في نومِك، وتهيمُ في وادي غفلاتِكَ! وقد استيقظَ الأكياسُ المحبُّونَ!
وجدُّوا في
السَّيرِ مع أهلِ الإحسانِ المخلصين!
وشحذُوا العزائمَ
فنهضتْ بهم نحو العُلَى صُعُدًا!
ولم يرتضوا
لهم حاديًا غيرها!
بل ركبوهَا
وامتطَوا ظهورَها، وسارُوا لا يلتفتونَ إلى وصلِ غانيةٍ ودار حبيبٍ!
حتى لا يقطعُهُم
عنِ السَّيرِ إلى الحبيبِ القريبِ!
سارُوا إليه
رويدًا رويدًا؛ سيرًا ليِّنًا متتابعًا
ثم جاؤوا في
مقدِّمةِ الرَّكبِ؛ كسيرِ الدَّليلِ!
سارُوا إليه
(بإثباتِ صفاتِهِ العليا)؛ لا بالتَّحريف والإنكار والتَّعطيلِ!
عرفوه بأوصافِهِ
كلِّها: أوصافِ كمالِهِ وجمالِهِ وجلالِهِ!
فامتلأتْ قلوبهم
من محبَّتِهِ والإيمانِ به!
فأطارَهَا الشَّوقُ
إليهِ حين أُفعِمتْ من كؤوسِ معرفتِهِ، وامتلأتْ من أنوارِ صفاتِ قدسِهِ!
و هكذا؛ كلما
زادتِ (المعرفةُ في القلبِ) زادَ معها (الشَّوقُ والحبُّ)
فأشدُّ المحبِّين
له حبًّا، وأكثرهم منه مودَّةً وقرْبًا:
أعلَمُهُمْ
بصفاتهِ العليا من حيث ثبوتِها وكمالِها واتِّساعها وعظمتِها وآثارِها في الخلقِ!
وأعلَمُهُم-
كذلكَ- بحقائقِ القرآنِ، وما تضمنَّه من أبوابِ العلم والايمانِ!
فالحبُّ يتْبع
الشعورَ، والعرفانُ يقوى بقوَّته ويضعُف بضعفِهِ!
وذلك أمٌر ظاهرٌ
للعيانِ، لا يحتاج الى توضيحٍ وبيانٍ!" اهـ
من "شرح
القصيدة النونية"، (2/225-226)، ط2 (1415هـ)، دار الكتب العلميّة - بيروت.
- - -
الثّلاثاء 23
شوّال 1435هـ