بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله، والصّلاةُ والسّلامُ على رسولِ اللهِ، أمّا بعد:
• قالَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- في سورةِ "النّحل":
{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)}{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)}.
• قالَ الإمامُ ابنُ القيّمِ -رحمَهُ اللهُ- في "مفتاح دار السّعادة"* مُبيِّنًا بلاغةَ الآيةِ الكريمةِ في بديعِ خلقِ اللهِ لـ(النّحلِ):
"فَتَأمَّلْ!
كَمالَ طاعَتِها، وحُسْن ائْتِمارِها لأمرِ رَبِّهَا:
اتَّخذَتْ بيوتَها فِي هَذِه الأمكنةِ الثَّلَاثَةِ:
- فِي الجبَالِ الشّقْفانِ
- وفِي الشّجرِ
- وفِي بيُوتِ النَّاسِ؛ حَيْثُ يعرشُونَ؛ أَيْ: يَبنونَ العروشَ؛ وهِيَ البيُوتُ؛
فَلَا يُرَى للنَّحْلِ بَيتٌ غيرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؛ البَتَّةَ!
وتَأمَّلْ!
- كَيفَ أكثرُ بيوتِها فِي (الجبَال والشّقْفانِ)؛ وَهُوَ البَيْتُ المُقدَّمُ في الآيةِ!
- ثمَّ فِي (الأَشجارِ)؛ وهِيَ مِنْ أكثرِ بُيُوتِها!
- وَمِمَّا (يعرِشُ) النَّاسُ!
وأقلُّ بيوتِها بينهُمْ؛ حَيْثُ يعرِشونَ!
وأمَّا فِي الجبَالِ، والشَّجرِ؛ فبُيُوتٌ عَظِيمَةٌ؛ يُؤْخَذُ مِنْهَا منَ العَسَلِ الكثيرُِ جِدًّا!
وتَأمَّلْ!
كيفَ أَدَّاها حُسْنُ الِامْتِثَالِ إِلى أنِ اتَّخذَتِ (البُيُوتَ) أوَّلًا،
فَإِذا اسْتَقرَّ لَهَا بَيتٌ؛ خرَجَتْ مِنْهُ، فرَعَتْ، وأكلَتْ منَ الثِّمَارِ، ثُمَّ آوَتْ الى بُيُوتِها
لأَنَّ رَبَّها -سُبْحَانَهُ- أمرَها:
- باتِّخاذِ البُيُوتِ (أوَّلًا)،
- ثُمَّ بالأكْلِ بعدَ ذَلِكَ،
-ثُمَّ إِذا اكلَتْ؛ سلَكَتْ (سُبُلَ رَبِّها) مُذَلَّلَةً، لَا يستَوعِزُ علَيْهَا شَيْءٌ، تَرْعَى ثُمَّ تعودُ!" اهـــــ.
---
* ج1، ص: 248، دار الفكر، لا يوجد رقم للطّبعة.