بسم اللهِ الرَّحمن الرَّحيم
مَنْ هُوَ (الهُمَزَةُ اللُّمَزَة)!
• الحمدُ للهِ، والصّلاةُ والسّلامُ
على رسولِ اللهِ، وبعدُ:
فَمِنَ الصّفَاتِ المذْمومَةِ
المنبوذَة، والأمرَاضِ المنتشرَةِ بينَ النّاسِ والمنتشِرَة: (الهَمْزُ واللَّمزُ)!
اللَّذانِ لا نُلقِي لَهُما بالًا! واللَّذانِ ينبغِي للمُسلِمِ أنْ يعِظَ
نَفْسَهُ قَبْلَ غيرِهِ؛ للشِّفَاءِ منهُما! لما يترَتَّبُ عليهمَا منَ الوعِيدِ
يومَ القيامةِ!
ففِي مَطْلَعِ سُورَةِ "الهُمَزَة" -الَّتي يحفَظُها
الصّغيرُ والكبيرُ- قالَ سُبحانَهُ وتعالى:
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَة (1)}
• جاءَ في "تفسير الطّبريّ،
"{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ}: الْوَادِي
يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ، وَقَيْحِهِمْ!
{لِكُلِّ هُمَزَةٍ}: لِكُلِّ مُغْتَابٍ لِلنَّاسِ،
يَغْتَابُهُمْ وَيَغُضُّهُمْ!
كَمَا قَالَ زِيَادٌ الْأَعْجَمُ:
تُدْلِي بِوُدِّي إِذَا لَاقَيْتَنِي كَذِبًا
... وَإِنْ أُغَيَّبْ فَأَنْتَ الْهَامِزُ اللُّمَزَهْ !!
وَيَعْنِي بِـ (اللُّمَزَةِ): الَّذِي
يَعِيبُ النَّاسَ، وَيَطْعَنُ فِيهِمْ!
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي
ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ:
- عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، قَالَ:
قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ بَدَأَهُمُ اللَّهُ بِالْوَيْلِ؟
قَالَ: «هُمُ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ
الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ أَكْبَرَ الْعَيْبِ»!
- عَنْ مُجَاهِدٍ: الْهُمَزَةُ
يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ، وَاللُّمَزَةُ: الطَّعَّانُ!
- عَنْ قَتَادَةَ: الْهُمَزَةُ: آكِلُ
لُحُومِ النَّاسِ: وَاللُّمَزَةُ: الطَّعَّانُ عَلَيْهِمْ!
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَيْلٌ
لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}: «وَيْلٌ لِكُلِّ طَعَّانٍ مُغْتَابٍ»!
- عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: الْهُمَزَةُ: يَهْمِزُهُ فِي وَجْهِهِ،
وَاللُّمَزَةُ: مِنْ خَلْفِهِ!
- عَنْ قَتَادَةَ: يَهْمِزُهُ
وَيَلْمِزُهُ بِلِسَانِهِ وَعَيْنِهِ، وَيَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَطْعَنُ
عَلَيْهِمْ!
- عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْهُمَزَةُ
بِالْيَدِ، وَاللُّمَزَةُ بِاللِّسَانِ!
- عنِ ابْنُ زَيْدٍ: الْهُمَزَةُ:
الَّذِي يَهْمِزُ النَّاسَ بِيَدِهِ، وَيَضْرِبُهُمْ بِلِسَانِهِ، وَاللُّمَزَةُ:
الَّذِي يَلْمِزُهُمْ بِلِسَانِهِ وَيَعِيبُهُمْ!" اهـ (24/ 616-619)
•
"تفسير البغويّ":
"قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: (الْهُمَزَةُ)
الَّذِي يُؤْذِي جَلِيسَهُ بِسُوءِ اللَّفْظِ!
وَ(اللُّمَزَةُ): الَّذِي يُومِضُ بِعَيْنِهِ
وَيُشِيرُ بِرَأْسِهِ، وَيَرْمُزُ بِحَاجِبِهِ!
وَهُمَا نَعْتَانِ لِلْفَاعِلِ، نَحْوُ:
سُخَرَةٍ وَضُحَكَةٍ: لِلَّذِي يَسْخَرُ وَيَضْحَكُ مِنَ النَّاسِ" اهـ (8/ 526).
• "أضواء البيان في إيضاح القرآن
بالقرآن":
"وَقَدْ أَوْعَدَ اللَّهُ - جَلَّ
وَعَلَا - الَّذِينَ يَلْمِزُونَ النَّاسَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ
هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}.
وَ(الْهُمَزَةُ): كَثِيرُ الْهَمْزِ لِلنَّاسِ!
وَ(اللُّمَزَةُ): كَثِيرُ اللَّمْزِ!
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: (الْهَمْزُ)
يَكُونُ بِالْفِعْلِ؛ كَالْغَمْزِ بِالْعَيْنِ؛ احْتِقَارًا وَازْدِرَاءً!
وَ(اللَّمْزُ) بِاللِّسَانِ، وَتَدْخُلُ
فِيهِ الْغَيْبَةُ!" هـ
وفي موضعٍ آخرَ:
"قَدْ قِيلَ: الْهَمْزُ بِالْيَدِ:
وَقِيلَ: بِاللِّسَانِ فِي الْحَضْرَةِ، وَالْهَمْزُ فِي الْغَيْبَةِ.
وَقِيلَ: الْهَمْزُ بِالْيَدِ، وَاللَّمْزُ
بِاللِّسَانِ، وَالْغَمْزُ بِالْعَيْنِ، وَكُلُّهَا مَعَانٍ مُتَقَارِبَةٌ تَشْتَرِكُ
فِي تَنَقُّصِ الْآخَرِينَ!" اهـ (9/
100-101)
• في "تفسير السَّعديّ: تيسير الكريم الرّحمن":
"{وَيْلٌ}؛ أيْ: وَعِيدٌ، وَوَبَالٌ،
وشِدَّة عَذَابٍ!
{لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}: الَّذِي
يَهْمِزُ النَّاسَ بِـ (فِعْلِهِ)، وَيَلْمِزُهُمْ بـِ (قَولِهِ)!
فَـ (الهَمَّازُ): الَّذِي يَعِيبِ النَّاسَ،
ويَطْعَنُ عَلَيهمْ بِالإشَارَةِ والفِعْلِ!
وَ(اللَّمَّاز): الَّذِي يَعِيبُهُمْ بِقَولِهِ!"
اهـ (ص: 934)
فنسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ- أنْ يغْفِرَ
لَنَا ,يُعافِيَنا ويَهْديِنا للعَمَلِ بالقُرآنِ الكَريم.
وصلَّى اللهُ على نبيِّنَا مُحَمَّدٍ
وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ.
= تَوجيهٌ:
اسثْنَىى بَعْضُ أهلِ العلْم من
تَحريمِ (الغِيبةِ)، ما نصَّ عليهِ أحدُ الفُقَهاءِ؛ في الأبياتِ التَّالية:
الْقَــدْحُ لَــيْــسَ بِــغِــيبَــةٍ
فِي سِتَّةٍ: ... مُـتَــظَــلِّــمٍ وَمُـعَــرِّفٍ
وَمُــحَـــذِّرِ!
وَمُجَاهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ
... طَلَبَ الإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ مُنْكَرِ!
فمن هذا البابِ؛ اعْتَبرَ الرَّاسخونَ
منْ أهْلِ العلْمِ أنَّهُ ليسَ من (الغِيبَةِ) -كما يظنُّ البعضُ- التَّحذيرَ من
أهلِ البدعِ والأهواءِ، النَّاشرِين لبدَعِهِم وأهوائِهِمْ، وكلُّ ذلكَ وفقَ ضوابطَ وأدلَّة صَّحيحةِ؛ يُرجعُ فيها إلى أهلِ
العلم.
واللهُ تعالى أعلم.
- - -
الأربعاء 27 صَفَر 1437هـ