عليْكُمْ بـِ (حَامِلِ المِسْكِ)!

عليْكُمْ بـِ (حَامِلِ المِسْكِ)!

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ...
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على خاتَمِ الأنبياءِ والمرسلينَ، أمَّا بعدُ:
- عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ!
فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً!
وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً))!
[متّفقٌ عليهِ].
- وفي روايةٍ عند الإمامِ البخاريّ في "صحيحهِ"؛ الحديث رقم (2101):
عَنْ أبي موسَى رضيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ! لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ؛ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ! أَوْ ثَوْبَكَ! أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً))!
- وفي لفظٍ عندَ ابن حبان في "صحيحهِ"، وصحَّحَه الوالدُ -رحمهُ اللهُ-، الحديث رقم (578):
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ الْعَطَّارِ! إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ أَصَابَكَ رِيحُهُ! وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ مَثَلُ الْقَيْنِ! إِنْ لَمْ يُحْرِقْكَ بِشَرَرِهِ عَلِقَ بِكَ مِنْ رِيحِهِ))!
"القَيْنُ: الحَدَّادُ". يُنظرْ: "لسان العرب"، (13/350).
- وفي روايةٍ صحَّحَها الوالدُ -رحمهُ الله- في "صحيح الجامع الصّغير":
((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ الْعَطَّارِ! إِنْ لَمْ يُعْطِكَ مِنْ عِطْرِهِ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ))!


  جاءَ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، (8/ 3136- 3137):
(مَثَلُ الْجَلِيسِ): أَيِ: الْمُجَالِسِ.
(وَالسَّوْءِ): -بِفَتْحِ السِّينِ وَبِضَمٍّ-.
(وَنَافِخِ الْكِيرِ): -بِكَسْرِ الْكَافِ-: زِقٌّ يَنْفُخُ فِيهِ الْحِدَادُّ.
(يُحْذِيَكَ): مِنَ الْإِحْذَاءِ؛ أَيْ: يُعْطِيَكَ مَجَّانًا!!!
(وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ)؛ أَيْ: تَشْتَرِيَ.
(وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً): وَهَذَا بَيَانُ أَقَلِّ الْمَنْفَعَةِ!
(وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ): مِنَ الْإِحْرَاقِ؛ أَيْ: يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِحْرَاقِ، أَوِ التَّقْدِيرِ: يُحْرِقَ بِنَارِهِ ثِيَابَكَ، وَلَعَلَّهُ وَقَعَ اخْتِصَارًا حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ أَعْضَاءَكَ أَوْ ثِيَابَكَ.
(وَإِمَّا أَنْ تَجِدَّ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً): أَيْ: دُخَّانُهُ، وَهَذَا أَقَلُّ الْمَضَرَّةِ!
وَالْمَعْنَى:
فَعَلَيْكَ بِمَحَبَّةِ الْأَوَّلِ وَمُصَاحَبَتِهِ، وَإِيَّاكَ وَمَوَدَّةَ الثَّانِي وَمُرَافَقَتَهُ!
قِيلَ: فِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى الرَّغْبَةِ فِي صُحْبَةِ (الصُّلَحَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَمُجَالَسَتِهِمْ)! فَإِنَّهَا تَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ!
وَإِلَى الِاجْتِنَابِ عَنْ صُحْبَةِ الْأَشْرَارِ وَالْفُسَّاقِ! فَإِنَّهَا تَضُرُّ دِينًا وَدُنْيَا.
قِيلَ: مُصَاحَبَةُ الْأَخْيَارِ تُورِثُ الْخَيْرَ، وَمُصَاحَبَةُ الْأَشْرَارِ تُورِثُ الشَّرَّ؛ كَالرِّيحِ إِذَا هَبَّتْ عَلَى الطِّيبِ عَبِقَتْ طِيبًا، وَإِنْ مَرَّتْ عَلَى النَّتْنِ حَمَلَتْ نَتْنًا!
وَقِيلَ: إِذَا جَالَسْتَ (الْحَمْقَى) عُلِّقَ بِكَ مِنْ حَمَاقَتِهِمْ مَا لَا يَعْلَقُ لَكَ مِنَ الْعَقْلِ إِذَا جَالَسْتَ الْعُقَلَاءَ; لِأَنَّ الْفَسَادَ أَسْرَعُ إِلَى النَّاسِ! وَأَشَدُّ اقْتِحَامَ مَا فِي الطَّبَائِعِ!
وَالْحَاصِلُ أَنَّ (الصُّحْبَةَ تُؤَثِّرُ)! وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة: 119].."اهـ

وجاء في "شرح النّوويّ على مسلمٍ"، (16/1780):
"- فيهِ: تَمْثِيلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(الْجَلِيسَ الصَّالِحَ) بِـ (حَامِلِ الْمِسْكِ)
وَ(الْجَلِيسَ السُّوءِ) بِـ (نَافِخِ الْكِيرِ)
- وَفِيهِ: فَضِيلَةُ (مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ)! وَأَهْلِ الْخَيْرِ، وَالْمُرُوءَةِ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالْوَرَعِ، وَالْعِلْمِ، وَالْأَدَبِ!
- وَ(النَّهْيُ) عَنْ (مُجَالَسَةِ أَهْلِ الشَّرّ)،! وَأَهْلِ الْبِدَعِ! وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ! أَوْ يَكْثُرُ فُجْرُهُ! وَبَطَالَتُهُ! وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ!
- وَمَعْنَى (يُحْذِيَكَ): يُعْطِيكَ. وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالذَّالِ". اهـ‍
فالحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
الإثنين: 26/جمادى الآخرة/ 1434هـ.