في معْنَى: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}... في سُورَةِ الكَهْف



بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمدُ للهِ، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:
• فقدْ قالَ سُبحانهُ في سُورةِ "الكهف":
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً(28)}.
وهذهِ بعضُ أقوالِ العلماءِ -رحمَهُمُ اللهُ تعالى- تتعلَّقُ بـمعْنى: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}.

• معنى (فرط) في اللّغة:
- "مقاييس اللُّغة"، (4/ 490):
"(فَرَطَ) الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالطَّاءُ؛ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِزَالَةِ شَيْءٍ مِنْ مَكَانِهِ وَتَنْحِيَتِهِ عَنْهُ. يُقَالُ: فَرَّطْتُ عَنْهُ مَا كَرِهَهُ، أَيْ نَحَّيْتُهُ. قَالَ:
فَلَعَلَّ بُطْأَكُمَا يُفَرِّطُ سَيِّئًا ... أَوْ يَسْبِقُ الْإِسْرَاعُ خَيْرًا مُقْبِلًا
فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ.
ثُمَّ يُقَالُ: أَفْرَطَ؛ إِذَا تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي الْأَمْرِ.
يَقُولُونَ: إِيَّاكَ وَالْفَرَطُ، أَيْ لَا تُجَاوِزِ الْقَدْرَ.
وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ [إِذَا] جَاوَزَ الْقَدْرَ؛ فَقَدْ أَزَالَ الشَّيْءَ عَنْ جِهَتِهِ.
وَكَذَلِكَ التَّفْرِيطُ؛ وَهُوَ التَّقْصِيرُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَصَّرَ فِيهِ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ عَنْ رُتْبَتِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ" اهـ‍
- "تهذيب اللُّغة"، (13/ 226):
"..{وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الْكَهْف: 28]؛  أَيْ: مَتْرُوكاً ؛تَركَ فِيهِ الطَّاعَة، وغَفَل عَنْهَا.
وَقَالَ أَبُو الهيْثم: أمْرهُ فُرُطٌ؛ أَي: مُتهاوَنٌ بِهِ مضَيَّعٌ.
وَقَالَ الزّجاج: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}؛ أَي: كَانَ أمْرُهُ التَّفْريطَ؛ وَهُوَ تَقْدِيم الْعَجْز.
وَقَالَ غَيرُه: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}؛ أَي: نَدَمًا.
وَيُقَالُ: سَرفًا.
- "الكُلِّيَّات"، لأبي البقاء، (ص: 700):
"{وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}؛ أَيْ: تقدُّمًا على الحَقِّ، ونبْذًا لِوَرَاءِ ظَهْرِه.
أَو: سَرفًا وتَضْييعًا" اهـ‍

• "تفسير الطّبريّ"، (15/ 242-243):
فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ،
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَكَانَ أَمْرُهُ ضَيَاعًا
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَكَانَ أَمْرُهُ نَدَمًا
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: هَلَاكًا
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: خِلَافًا لِلْحَقِّ
تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (15/ 243)
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: ضَيَاعًا وَهَلَاكًا،
مِنْ قَوْلِهِمْ: أَفْرَطَ فُلَانٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِفْرَاطًا؛ إِذَا أَسْرَفَ فِيهِ وَتَجَاوَزَ قَدْرَهُ،
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}؛ مَعْنَاهُ: وَكَانَ أَمْرُ هَذَا الَّذِي أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا فِي الرِّيَاءِ، وَالْكِبْرِ، وَاحْتِقَارِ أَهْلِ الْإِيمَانِ؛ سَرَفًا قَدْ تَجَاوَزَ حَدَّهُ، فَضَيَّعَ بِذَلِكَ الْحَقَّ وَهَلَكَ." اهـ‍ مختصرًا.


• "تفسير ابن كثير"، (5/ 154):
"{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا}؛ أَيْ: شُغِلَ عَنِ الدِّينِ وَعِبَادَةِ رَبِّهِ بِالدُّنْيَا
{وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}؛ أَيْ: أَعْمَالُهُ وَأَفْعَالُهُ سَفَهٌ، وَتَفْرِيطٌ وَضَيَاعٌ!
وَلَا تَكُنْ مُطِيعًا لَهُ، وَلَا مُحِبًّا لِطَرِيقَتِهِ، وَلَا تَغْبِطْهُ بِمَا هُوَ فِيهِ!" اهـ‍

• "تفسير السّعديّ:  تيسير الكريم الرَّحمن"، (ص: 475):
"{وَكَانَ أَمْرُهُ}؛ أيْ: مصالحُ دِينِهِ ودنْياهُ.
{فُرُطًا}؛ أيْ: ضَائِعَةٌ مُعطَّلةٌ.
فهذَا قدْ نَهى اللهُ عن طاعتِهِ، لأنَّ طاعَتَهُ تدْعُو إلى الِاقْتِداء بِه، ولِأَنَّهُ لَا يدْعُو إلَّا لـِمَا هُو مُتَّصِفٌ بِهِ" اهـ‍

• "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن"، للشّنقيطيّ، (3/ 265-266):
"..وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ -عِنْدِي- بِحَسَبَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ {فُرُطًا}؛ أَيْ: مُتَقَدِّمًا لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ، نَابِذًا لَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ.
مِنْ قَوْلِهِمْ: فَرَسٌ فُرُطٌ، أَيْ: مُتَقَدِّمٌ لِلْخَيْلِ،
وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَعْنَى الْآيَةِ تَرْجِعُ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ كُلُّهَا،
كَقَوْلِ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ {فُرُطًا}؛ أَيْ: ضَيَاعًا.
وَكَقَوْلِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ {فُرُطًا}؛ أَيْ: سَرَفَا،
كَقَوْلِ الْفَرَّاءِ {فُرُطًا}؛ أَيْ: مَتْرُوكًا.
وَكَقَوْلِ الْأَخْفَشِ {فُرُطًا}؛ أَيْ: مُجَاوِزًا لِلْحَدِّ،
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ." اهـ‍ مختصَرًا.

• "شرح رياض الصّالحين"، للعثيمين، (5/ 530):
"{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}؛ يعني:
لَا تُطِعِ الغَافلَ الَّذِي غَفَلَ قلْبُهُ عنْ ذِكْرِ اللهِ، وكانَ أَمْرُهُ فُرُطًا، واتَّبَعَ هَواهُ، وضَاعَتْ عَلَيهِ دُنْياهُ، وضَاعَتْ عَلَيهِ أُخْرَاهُ" اهـ‍

• "تفسير القرآن"، للعثيمين، (6/ 48):
"({وَكَانَ أَمْرُهُ}؛ أيْ: شَأْنُهُ { فُرُطاً }؛ أيْ: مُنْفَرِطًا عَلَيهِ، ضَائِعًا، تَمْضي الأيَّامُ واللَّيالي ولَا يَنْتَفِعُ بشَيءٍ.." اهـ‍
واللهُ تعالى أعلم.