وقفةٌ تَجْويديَّةٌ مَعَ (الرَّاءَاتِ) في فَواصِلِ سُورَةِ
القَمَر
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمدُ
للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ الأنبياءِ والمرسلين، أمَّا
بعدُ:
• فإنَّ (سورةَ
القمرِ) والتي عددُ آياتِها: (خمسٌ وخمسونَ) آيةً، انتهَتْ جميعُ فواصِلِها -أيْ: رؤوسِ آياتِها-
بالحرْفِ نَفْسِهِ؛ ألَا وهو حرْفُ (الرَّاء).
• وتلك الرّاءاتُ
المتطرِّفة في هذه السّورةِ:
جاءَ
بعضُها: (مُخفَّفًا). وهو الأَغْلَب، كما سنرى.
وبَعْضُها
الآخرُ: (مُشدَّدًا).
• وبعضُ من يقرَأُ
القُرآنَ الكريمَ وعندما يقفُ على رأسِ آياتِها، قدْ يقعُ لِسانُهُ عندَ نُطْقِهِ
بتلكَ (الرَّاءات) بأحدِ هذِهِ الأخطاء:
1)
يُخَفِّفُ المُشدَّدةَ منها
2) أو
يُشدِّدُ المخفَّفةَ منها
3) أو
يخْلِطُ، فلا يُميِّزُ المشدَّدَ مِنَ المُخفَّف.
• ولمَّا كانَ لَا
بُدَّ للقارئِ أنْ يقفَ على رأسِ الآية؛ (فالوقفُ على رؤوسِ الآياتِ سُنَّةٌ
مُطلَقًا)، كانَ عليهِ أن ينتَبِهَ إلى هذهِ الرَّاءاتِ الموقوفِ عليها، ويُميِّزَ
بينها.
• قالَ الإمامُ ابنُ
الجزريّ -رحمَهُ اللهُ- في "التَّمهيد في علم التجويد":
"اِعْلَمْ!
أنَّ المشَدَّدَ في القُرْآنِ كثيرٌ، وكلُّ حَرْفٍ مُشَدَّدٍ بمنزلَةِ حَرْفَينِ
في الوزْنِ واللَّفْظِ،
-
الأوَّلُ منهُما: ساكنٌ.
-
والثَّاني: مُتَحرِّكٌ.
فينْبَغي
للقارِئِ أنْ يُبَيِّنَ (المشَدَّدَ) حيثُ وقَعَ، ويُعْطِيَهُ حَقَّهُ
لِيُميِّزَهُ مِنْ (ضِدِّه)" اهـ
(ص: 204)، ط1
(1405هـ)، ت: الدكتور علي حسين البواب،
مكتبة المعارف، الرياض.
• فلمَّا كانَ:
(الحرفُ
المشدَّدُ)؛ إنَّما هو بمقامِ حَرفين، فإذا خَفَّفْناهُ؛ صارَ حرفًا واحدًا؛ وهذا
خطأٌ!
-
و(الحرفُ المُخفَّفُ)؛ إنَّما هو حرفٌ واحدٌ، فإذا شدَّدْناهُ؛ صارَ بمقامِ
حَرْفَين؛ وهذا خطأٌ -أيضًا-!
هذا
فضْلًا عنْ أنَّ الوقوعَ في تِلْكَ الأخطاءِ، قدْ يُعطي معنًى غيرَ صحيحٍ
وبالتّالي يُخِلُّ في التَّدبُّرِ،
واحترازًا
من اللّحنِ في تلكَ الرَّاءات، وخاصَّةً أنَّها مُتَكَرِّرةً؛ سننتقلُ إلى ما يلي:
• الكلمات التي
انتهتْ بـ(راءٍ مُخَفَّفة) في سُورة القَمر:
1-
{الْقَمَرُ (1)}
2-
{مُزْدَجَرٌ (4)}
3-
{النُّذُرُ (5)}
4-
{نُكُرٍ (6)}
5-
{مُنْتَشِرٌ (7)}
6-
{عَسِرٌ (8)}
7-
{وَازْدُجِرَ (9)}
8-
{فَانْتَصِرْ (10)}
9- {مُنْهَمِرٍ
(11)}
10-
{قُدِرَ (12)}
11-
{وَدُسُرٍ (13)}
12-
{كُفِرَ (14)}
13-
{مُدَّكِرٍ (15)} مُكرَّر، كما سيأتي
14-
{وَنُذُرِ (16)} مُكرَّر، كما سيأتي
15-
{مُدَّكِرٍ (17)}
16-
{وَنُذُرِ (18)}
17-
{مُنْقَعِرٍ (20)}
18-
{وَنُذُرِ (21)}
19-
{مُدَّكِرٍ (22)}
20-
{بِالنُّذُرِ (23)}
21-
{وَسُعُرٍ (24)}
22-
{أَشِرٌ (25)}
23-
{الْأَشِرُ (26)}
24-
{وَاصْطَبِرْ (27)}
25-
{مُحْتَضَرٌ (28)}
26-
{فَعَقَرَ (29)}
27-
{وَنُذُرِ (30)}
28-
{الْمُحْتَظِرِ (31)}
29-
{مُدَّكِرٍ (32)}
30-
{بِالنُّذُرِ (33)}
31-
{بِسَحَرٍ (34)}
32-
{شَكَرَ (35)}
33-
{بِالنُّذُرِ (36)}
34- {وَنُذُرِ (37)}
35-
{وَنُذُرِ (39)}
36-
{مُدَّكِرٍ (40)}
37-
{النُّذُرُ (41)}
38-
{مُقْتَدِرٍ (42)}
39-
{الزُّبُرِ (43)}
40-
{مُنْتَصِرٌ (44)}
41-
{الدُّبُرَ (45)}
42-
{وَسُعُرٍ (47)}
43-
{سَقَرَ (48)}
44-
{بِقَدَرٍ (49)}
45-
{بِالْبَصَرِ (50)}
46-
{مُدَّكِرٍ (51)}
47-
{الزُّبُرِ (52)}
48-
{مُسْتَطَرٌ (53)}
49-
{وَنَهَرٍ (54)}
50-
{مُقْتَدِرٍ (55)}
فهذهِ
(خَمسُونَ) كلمة -مع المكرَّر-، اشتركتْ بأنَّها:
- جاءتْ
على رأسِ الآية.
- وخُتِمتْ
بـ (راءٍ مُخفَّفة)؛ ليس عليها إشارةُ الشَّدَّة.
- نقفُ
عليها بـ(راءٍ ساكنةٍ واحدةٍ فقط).
-
وينبغي أن نحترزَ من تشْديدِها.
- وصوتُ
الرّاءِ هو نفسُهُ في جميعِ تلكَ الكلمات.
• الكلماتُ التي
انتهتْ بـ(راءٍ مُشدَّدة)، في سُورةِ القَمر:
1-
{مُسْتَمِرٌّ(2)} مُكرَّر
2-
{مُسْتَقِرٌّ (3)} مُكرَّر
3-
{مُسْتَمِرٍّ (19)}
4-
{مُسْتَقِرٌّ (38)}
5-
{وَأَمَرُّ (46)}
فهذهِ
(خَمسُ) كلماتٍ -مع المكرَّر-، اشتركتْ بأنَّها:
- جاءتْ
على رأسِ الآية.
-
وخُتِمتْ بـ (راءٍ مُشدَّدة)؛ عليها إشارةُ الشَّدَّة.
- نقفُ
عليها بـ(راءٍ ساكنةٍ مُشدَّدةٍ، بمقامٍ حرْفين).
-
وينبغي أنْ نحترزَ من تخْفيفها.
- وصوتُ
الرّاءِ هو نفسِهِ في جميعِ هذه الكلمات الخمس.
• وإنَّما أتيتُ على
جميعِ تلكَ الكلماتِ وفي مجموعَتَين:
1- كَي نرى
عدَدَ (الرّاءاتِ المخفَّفة) نسبةً إلى (الرّاءاتِ المشدَّدة)، فلمَّا يجعَلُها
البعضُ كلُّها مشدَّدةٍ؛ يتجلَّى لنا نسبةُ الخلَلِ في أدائِها!
2-
حتَّى نمايزَ بين المجموعتَينِ حالَ الأداء.
3-
حتَّى نُرَكِّزَ عليها، كلمةً كلمةً، عندَ الأداءِ العمليِّ حالَ التّلَاوَةِ،
ولَا نَغفَلَ عن أيِّ راءٍ واحدةٍ منها، فنعطيَ الرّاءَ حقَّها منَ (التّخفيفِ)
أوِ (التّشديدِ) في جميعِها.
• قالَ ابنُ الجزريِّ
-رحمَهُ اللهُ- في تَعريفِهِ للتّجويد، في منظومة "المقدِّمة":
30- وَهُوَ إِعْطْاءُ الحُرُوفِ حَقَّهَا ** مِنْ كُلِّ صِفَةٍ وَمُسْتَحَقَّهَا!
• قالَ أبو عْمْرٍو
الدّانيّ -رحمَهُ اللهُ- في "التَّحديد في الإتقان والتَّجويد":
"..وكذَا
إنْ كانَ (راءً)؛ فلْيُنْعِمْ تشديدَهُ من غيرِ تكْريرٍ ولَا عُسْرٍ، كقولِهِ:
{وخرَّ راكعًا}، و {مُحَرَّرًا} . وكذَا حُكْمُ سائرِ الرَّاءاتِ
المشَدَّدَاتِ..." اهـ
(ص: 137)، ط1 (1407
هـ)، ت: غانم قدوري حمد، دار الأنبار، بغداد، عبر المكتبة المقروءة..
• قالَ أبو الحسنِ
الصَّفاقسيّ -رحمَهُ الله- في "تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين":
"اِعْلمْ
أَنَّ (المشدَّدَ) دوَرُهُ في القرآنِ كثيرٌ! فيجبُ على القَاري معْرفتُهُ ومعرفةُ
كيفيَّتِهِ ورُتْبَتِهِ؛ لأنَّ منْ علِمَ؛ عمِلَ؛ إنْ وَّفقَهُ اللهُ تعالى، ومن
لَمْ يعلمْ لَا يُرجى منهُ خيرٌ أبدًا، لَا لنفسِهِ ولَا لغيرهِ.
وكلُّ
حَرْفٍ (مُشَدَّدٍ) قايِمٌ مقامَ حَرْفينِ: أوَّلُهما: ساكنٌ، والثَّانَّي:
مُتحَرِّكٌ.
فلَا
بُدَّ منْ بيانِ (التَّشْديدِ)، وإعطائِهِ حقَّهُ، حتَّى يتميَّزَ عمَّا ليسَ
(بمُشدَّدٍ)، فإِنَّ مَنْ تركَ (التَّشديد) فقدْ تركَ حرْفًا منَ القُرآنِ! وهوَ
لَا يحلُّ، ولذلكَ اعْتَنى العُلماءُ بِتَعْدَادِ تشْديدَاتِ "الفاتِحة"
وحذَّرُوا مِنْ تَرْكِها... اهـ المراد.
(ص: 116)، طبعة دار
الصّحابة للتّراث بطنطا.
وفي
موضعٍ آخر، (ص: 153):
"اِعْلَمْ!
أَنَّ (الوقْفَ على المشَدَّدِ) فيهِ صُعوبةٌ على اللِّسانِ؛ إذ فيهِ النُّطْق
بساكنينِ غيرُ مُنْفَصِلَينِ؛ لأنَّ المشَدَّدَ: أوَّلُهُ ساكنٌ، فإذا سكَّنْتَ
الآخَرَ لِلْوَقْفِ صارَ اللِّسانُ يلْفِظُ بسَاكِنَينِ غيرِ مُنْفَصِلَينِ دفعَةً
واحدةً، وهوَ في غايةِ الصُّعُوبةِ، ولهَذا لَا يُحْسِنُهُ كثيرٌ منْ عُلَماءِ
القُرَّاءِ فضْلًا عنْ عَوامِّهِمْ، فتجدُهُم إذا وَقَفُوا على مثلِ: {وَليّ}
و{خَفِيَ} و{بَنِيّ} -عندَ من لمْ يهمزْ- يقفونَ على لَامٍ مكسورةٍ، أو فاءٍ
مكسورةٍ، أو ياءٍ مكسورةٍ بعدها ياءٌ ساكنةٌ, وإذا وقفُوا على نحوِ: {مُسْتَمِرّ}
و{الْحَقّ} و{صُمّ} و{صَوَافّ} و{جَانّ} و{غَيْرَ مُضَارْ}، وَقَفُوا على حرفٍ
ساكنٍ من غيرِ تشديدٍ، أو حرَّكُوهُ حركةً كاملةً مع التَّشديدِ فرَارًا ممَّا
فيهِ منَ الثِّقَلِ، وهذا كلُّهُ خَطأٌ لَا يجوزُ، بلْ لَا بُدَّ منْ إجْرائِهِ
على ما تَقَدَّمَ" اهـ
• هذا وإنَّ سورةً
أخرى خُتِمَتْ جميعُ آياتِها بحرْفِ (الرّاءِ) أيضًا، ألَا وهي سورةُ
"الكَوثَر":
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
والفرقُ
بينها وبينَ سورةِ "القمر": أنَّ الرّاءاتِ هنا -في سورةِ الكوثر- كلُّها (مخفَّفةٍ).
لكنَّ
الِاحترازَ من تشدِيدِها لا زالَ قائمًا، وهو خطأٌ شائعٌ، مع أنَّ السُّورةَ
قصيرةٌ!
• فالخلاصةُ التي
أرْمي إليها:
أنّهُ عندَ
قراءَتِنا لسُورةِ القمرِ، علينا أنْ ننتبهَ إلى الرّاءاتِ (المخفّفةِ
والمشدَّدة)؛ فنمايزَ بينهما في الأدَاءِ، وهذا يحتاجُ إلى دُربة، ويُضبطُ
بالمشَافهة.
واللهُ تعالى أعلمُ.
واللهُ تعالى أعلمُ.
سُبحانَكَ
لَا عِلْمَ لنا إلَّا ما علَّمْتَنا، إنَّكَ أنتَ العليمُ الحكيم.
وصلَّى
اللهُ على نبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّم.
كَتَبَتْهُ:
حسَّانةُ بنتُ محمَّدٍ ناصرِ الدّينِ بنِ نوحٍ الألبانيّ.
الأحد
20 صفر 1438هـ