الأَحْكَامُ الشَّرْعيَّةُ.. آيَاتٌ
تُتْلَىٰ!
بسمِ اللهِ الرَّحمَٰنِ
الرَّحِيم...
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين،
والصَّلاةُ والسّلامُ علىٰ خاتَمِ الأنبياءِ والمرسلين، وبعدُ:
فإنَّ ممَّا تنشرحُ بِهِ الصُّدور،
وتجِدُ بها بَرْدَ السُّرُور، أنَّ (الأحكامَ الشَّرْعِيَّةَ) التي تسمُو بهَا
الأممُ!
وتستقيمُ بهَا المجتمعاتُ!
وينصَلِحُ معهَا أمرُ العائلاتِ!
مسطورةٌ في (القرآنِ الكريمِ)!
و(يتلُوها) المسلمونَ شرقًا وغربًا!
عرَبًا وعَجَمًا!
• والقَارئُ للقُرآنِ الكريمِ يجدُ
تلكَ (الأحكامَ) متعلِّقَةً بأبوابٍ عديدةٍ بينَ آياتِ القرآنِ:
- فمن أحكامِ العقيدة:
قولُهُ تعالىٰ: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ
أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ
فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48]
- إلىٰ أحكامِ الصّلاة:
قولُهُ تعالىٰ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ
فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ
أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً
مُّبِيناً} [النّساء: 101]
- والصّيام:
قولُهُ تعالىٰ: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ
ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} الآية [البقرة: 187]
- في الحجّ:
قولُهُ تعالىٰ: {وَاذْكُرُواْ اللهَ
فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ
وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[البقرة: 203]
- في الطَّهارة:
قولُهُ تعالىٰ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ
وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى
أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء
فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} [النّساء: 43]
- في النِّكاح:
قولُهُ تعالىٰ: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا
نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً
وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً}[النّساء: 22]
- في الطّلاق:
قولُهُ تعالىٰ: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ
مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا
افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ
اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]
- في العِدَّة:
قولُهُ تعالىٰ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ
فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة:
234]
- في الدِّية:
قولُهُ تعالىٰ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ
أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ
فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ
وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً}[النِّساء:
92]
- في الدَّيْن:
قولُهُ تعالىٰ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب
بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} الآية [البقرة: 282]
- في الرَّضَاع:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ
حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} الآية [البقرة:
233]
- في الميراثِ:
قولُهُ تعالىٰ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا
تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ
فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
الآية [النِّساء : 12]
- في الأطْعِمة:
قولُهُ تعالىٰ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا
أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ
مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ
عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ}[المائدة: 4]
- في المعَاملات:
قولُهُ تعالىٰ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ
الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ
مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ
اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ
فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: 275]
- في الحُدود:
قولُهُ تعالىٰ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ} [المائدة: 38]
وغيرُها في (القرآنِ الكريمِ) كثيرٌ
وكثيرٌ!
• فتلكَ (الأحكامُ الشَّرعيَّةُ) ليستْ
مجرَّدَ حدودٍ يَقضِي بها القُضَاة..
أو حُكْمٍ صادرٍ عنِ الـمَحْكَمَات..
أو تحليلٍ وتحريمٍ يُفتِي بهِ
المُفتُون..
أو بنودٍ تُتداوَلُ بينَ النّاسِ..
إنَّهَا (منَارَاتُ الحقِّ) في
دينِنا الإسلاميِّ الحنيفِ!
إنَّـها أحكامٌ قالَها (ربُّنَا) -تباركَ
وتعالىٰ- وأنزلَها في (كتابِهِ العظيمِ)!
فأكرَمنَا-سُبحانَهُ-، ومَنَّ علينا
بأنْ جعلَهَا:
(آياتٍ كريماتٍ) نرتِّلُها! .. ونُجوِّدُهَا!..
ونتغنّىٰ بِها!
(آياتٍ) نتعبَّدُ اللهَ بتلاوتِها!
فنحوزُ -معَ فضيلةِ معرفةِ الحُكمِ
الشَّرعيِّ منها- أجرَ تلاوتِها!
• والقارئُ للقُرآنِ الكريمِ؛ يقفُ
على العديدِ من المواضعِ التي اقْترنَتْ فيها (آياتُ الأحكامِ) بكلمةِ (آيات،
آياته)!
- كقولِهِ تعالىٰ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا
أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ
يُبيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[البقرة: 219]
- وقولِهِ سبحانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا
الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ
ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ
لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ
عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النّور:
58]
- وقولِهِ جلَّ وعلَا: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ
اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ
أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ
أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[المائدة: 89]
فلنتأمَّلْ!...
• والقارئُ للقُرآنِ الكريمِ؛ يتطلَّعُ
إلىٰ كلَامِ أهلِ العلمِ عنْ مدلُولِ كلمةِ (آياتِ) في سياقِ تلكَ الآياتِ
الكريماتِ.. ومنْها:
- ما قالَهُ الإمامُ الطّبريُّ-رحِمَهُ
اللهُ- في تفسيرِهِ للآيةِ السّابقةِ: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ}
الآية:
"{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ
لَكُمْ آيَاتِهِ}: كَمَا بَيْنَ لَكُمْ كَفَّارَةَ أَيْمَانِكُمْ؛ كَذَٰلِكَ
يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ جَمِيعَ آيَاتِهِ؛ يَعْنِي: (أَعْلَامَ دِينِهِ)!
فَيُوَضِّحُهَا لَكُمْ؛ لِئَلَّا يَقُولَ الْمُضَيِّعُ الْمُفَرِّطُ فِيمَا
أَلْزَمَهُ اللهُ: لَمْ أَعْلَمْ حُكْمَ اللهِ فِي ذَلِكَ!
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛
يَقُولُ: لِتَشْكُرُوا اللهُ عَلَى هِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ وَتَوْفِيقِهِ لَكُمْ"
اهـ
- وقالَ -رحِمَهُ اللهُ- في تفسيرِهِ لقولِهِ
تعالىٰ:
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا
عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن
تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا
مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا
جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ
تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ
الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [النّور: 61]:
"وَقَوْلُهُ:{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ}؛ يَقُولُ تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ: هَٰكَذَا يُفَصِّلُ اللهُ لَكُمْ
(مَعَالِمَ دِينِكُمْ) فَيُبَيِّنُهَا لَكُمْ، كَمَا فَصَّلَ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
مَا أَحَلَّ لَكُمْ فِيهَا، وَعَرَّفَكُمْ سَبِيلَ الدُّخُولِ عَلَىٰ مَنْ تَدْخُلُونَ
عَلَيْهِ. {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}: يَقُولُ: لِكَيْ تَفْقَهُوا عَنِ اللهِ أَمْرَهُ
وَنَهْيَهُ وَأَدَبَهُ!" اهـ
- قالَ العلَّامةُ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ- في
تفسيرِه للآيةِ السَّابقةِ -نفسِها-:
"{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ
الآيَاتِ}: (الدَّالّاتِ) علىٰ (أحكامِهِ الشَّرعيَّةِ وحِكَمِها)!
{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} عنهُ؛ فتفهمونَهَا،
وتعقلُونها بقلوبِكُم، ولِتكُونوا من أهلِ العقُولِ والألْبابِ الرَّزينةِ! فإنَّ معرفةَ
(أحكامِهِ الشَّرعيَّةِ) علىٰ وجهِهَا، يزيدُ في العقْلِ، وينمُو به اللُّبُّ، لِكَونِ
معانيها أجلَّ المعاني، وآدابها أجلَّ الآدابِ، ولأنَّ الجزاءَ من جنسِ العملِ، فكما
استعملَ عقلَهُ للعقْلِ عن ربهِّ، وللتَّفكرِ في آياتِهِ التي دَعَاهُ إليها، زادَهُ
من ذَٰلكَ!" اهـ
- قالَ العلَّامَةُ البقاعيِّ
-رحِمَهُ اللهُ- في "نظم الدرر"، في تفسير قولِهِ تعالىٰ: {وَإِذَا بَلَغَ
الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النّور:
59]:
"..{كَذَلِكَ}: أيْ: مثلُ ذَٰلكَ
البيانِ الذي بيَّنَهُ في آياتِ الأحكَامِ {يُبَيِّنُ اللهُ} بما لهُ مِنْ صِفَاتِ
الكمَالِ!
{لَكُمْ}: معَ ما لكُم من خِلَالِ النَّقصِ.
{آيَاتِهِ}: أيِ: (العلامَاتِ الدَّالَّةِ
عليهِ) من هَٰذِهِ الفَرْعيَّاتِ، وما رقَتْ إليهِ الأصْليَّاتُ، فأضافَها إليهِ -سُبْحانَهُ-:
تعظيمًا لها؛ إشارةً إلىٰ أنَّها مقدِّمةً للآياتِ الإلهيَّاتِ! لأنَّ مَنْ لمْ يتَفرَّغْ
منْ مكدِّرَاتِ الأفكارِ، لم يَطِرْ ذَٰلكَ المطارِ، وحثًّا علىٰ تدبُّرِ ما تقدَّمَ
منها لاستحضَارِ ما دَعَتْ إليهِ مِنِ الحِكَمِ، وفصَّلتْ بهِ من المواعِظِ، وتنبيهًا
علىٰ ما فيهَا من العُلومِ النَّافِعَةِ دينًا ودُنْيا!.."اهـ
(5/ 283)، ط1 (1415هـ)، دار الكتب
العلميّة، بيروت.
• والقارئُ للقُرآنِ الكريم؛
يتشوَّفُ لِـلحياةِ معَ (السُّنَّة) من خلالِ الوقوفِ على المواضعِ التي سيقَتْ
فيها آياتُ الأحكامِ!.. فمنها:
- في "صحيح البخاريّ"،
كتاب الصّلاة، بابُ تحريمِ تجارةِ الخمرِ في المسجدِ، (459):
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ
الآيَاتُ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي (الرِّبَا)، «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المَسْجِدِ فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَرَّمَ
تِجَارَةَ الخَمْرِ».
- وفي "صحيح مسلم"، كتاب
الطّلاق، بابُ انْقضاءِ عِدَّةِ المُتَوَفَّىٰ عَنْها زَوجُهَا، وَغَيرِهَا
بِوَضْعِ الحَمْلِ، 4 - (1493):
«..قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ!
أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ
يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ! وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَىٰ
مِثْلِ ذَلِكَ! قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: ((إِنَّ الَّذِي
سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ))! فَأَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-
هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}[النّور:
6]، فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ، وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ: أَنَّ
عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، قَالَ: لَا وَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا
وَذَكَّرَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ
الْآخِرَةِ. قَالَتْ: لَا! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ،
فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنِ
الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ
الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّٰى بِالْمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ
بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنِ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللهِ
عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا».
- وفي "صحيح البخاري"،
كتاب الطّلاق، بابُ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}[البقرة: 228] فِي
العِدَّةِ، وَكَيْفَ يُرَاجِعُ المَرْأَةَ إِذَا طلَّقَها وَاحِدَةً أَوْ
ثِنْتَيْنِ، (5331):
عَنْ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ،
كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ، فَطَلَّقَهَا ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا، حَتَّى
انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ خَطَبَهَا، فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَفًا،
فَقَالَ: خَلَّى عَنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَخْطُبُهَا، فَحَالَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ}[البقرة: 232] إِلَىٰ آخِرِ الآيَةِ،
«فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ»،
فَتَرَكَ الحَمِيَّةَ وَاسْتَقَادَ لِأَمْرِ اللهِ!
• فالقارئُ للقرآنِ الكريمِ حينَ يتْلُو
(آياتِ الأحكامِ الشّرْعيَّةِ) بلِسانِهِ
يتدبَّرُ بقَلْبِهِ عظمَةَ مُنْزلِ
القرآنِ! الذي جعَلَ (أحكامَ وأعلامَ دينِنَا الحنيفِ) مَتْلُوَّاتٍ مُرتَّلاتٍ!
ويوقِنُ أنَّهُ قدْ قضَىٰ بهَا
(أحكَمُ الحاكمين)، و(خيرُ الحاكمينَ)!
ويحمَدُ ربَّهُ الكريمَ الذي زادَتْ
-علىٰ عبدِهِ- أنعامُهُ!
وتواترتْ وتعاقَبَتْ آلاؤُهُ!
بأنْ أثابَهُ حتّىٰ علىٰ (تلاوتِها)
وآجَرَه!
فالحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
كتَبَتْهُ: حسَّانَة بنت محمّد ناصر
الدّين الألبانيِّ
الأربعاء 14 رمضان 1436هـ