مَواقِيتُ!...



مَواقِيتُ!...

بسمِ اللهِ الرَّحمَن الرَّحيم...
الحمدُ للهِ القائلِ: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ(5) } [سورة الرَّحمن]
وصلّى اللهُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّمَ... وبعدُ:
من بديعِ ما خلقَ اللهُ لنا في هذِا الكونِ:
((شروقُ الشَّمسِ وغروبُها))!
و((شروقُ القَمرِ وغروبُه))!
ممّا تخشعُ أمامَها لخالقِها العيونُ!
وتنكسِرُ لرَبِّها القُلوبِ!
فلا يدري المرءُ بأيِّها يُسفرُ عما يجولُ في نفسِهِ!
أبِجمالِ وبهاءِ المنظرِ الذي يُبهرُ البَصر!
أم بعَظَمَةِ الخلَّاقِ المقتدِر!
قالَ تعالى:
{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ} [النور : 44]
{فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام : 96]

• أَلَا وإنَّ من جَليلِ ما يترتّبُ على تلكُمُ الآياتِ الباهراتِ: (اختلافُ مواقيتِ الصَّلواتِ وبعضِ العباداتِ)!
هذا الاختلافُ الذي ينبغي لكلِّ مسلمٍ يومًا بيومٍ أنْ يرقُبَه!
إنْ لم نقلْ ساعةً بساعةٍ، بلْ دقيقةً بدقيقةٍ،  يتَطَلَّبُهُ، وَيتَلَمَّسُه!
فثمَّ أداءُ (فروضٍ) في حقِّ اللهِ الذي خلقَنا وخلقَ الشّمسَ والقمرَ!
وأداءُ (نوافلَ) شرَعَها اللهُ الذي أنشأنَا، وأنشأَ اللّيلَ والنّهارِ!
وثمَّ اتّباعٌ واقتداءٌ!

• وهنا وقفاتٌ!
من مِنّا لتلكَ المواقيتِ (متابعٌ)!
و(مهتمٌّ) بها، ولها (مراقبٌ)!...
ولنسألْ إذًا:
س1: في أيِّ ساعةٍ يؤذِّن الفجرُ في مدينتِكمُ (اليوم)؟
س2: متى تشرقُ الشّمسُ في مدينتِكمُ (اليوم)؟
س3: متى تغربُ الشّمسُ في مدينتِكمُ (اليوم)؟
س4: متى يحينُ الوقتُ الشّرعيِّ لصلاةِ العشاءِ في مدينتِكمُ (اليوم)؟
س5: متى يبدأُ ثلُثُ اللّيلِ الآخرِ  في مدينتكمُ (اليوم)؟
أسئلةٌ لو أتتْ على وجهِ المباغتةِ، فمنْ -منَّا- يستطيعُ الإجابةَ عليها للتّوّ؟!
أسئلةٌ إجاباتُها تُنْبي عنِ العنايةِ بـ (صلاةِ الفجرِ)!
وصلاةِ الضّحى!
وصلاةِ المغربِ!
وصلاةِ العشاءِ!
وقيامِ اللّيلِ في أقربِ أوقاتِهِ منَ اللهِ سبحانَهُ وتعالى!
وسحورٍ!
وإفطارٍ!
وأذكارِ الصّباحِ!
وأذكارِ المساءِ!
والتّسبيح قبل طلوعِ الشّمسِ!
والتّسبيح قبل غروبِها!
وأوقاتٌ نهيٍ!
وأوقاتٌ كراهةٍ!
وأوقاتُ جوازٍ!

فالأمرُ ليسَ تعاقبُ ليلٍ ونهارٍ فحسبْ!
ولا تأمُّلٌ لجمالِ الطّبيعةِ وبهاء الكونِ فقطْ!
إنها وُقوتُ إقامةِ عباداتٍ!
فرائضُ ونوافلُ!
ينبغي لنا أن نتفطّنَ إلى مواقيتِها يومًا يومًا بيومٍ!
فالمواقيتُ تتناقَصُ، ومراتٍ أخرى تطولُ!
وتختلفُ بين بلدٍ وآخرَ!
ومدينةٍ ومدينةٍ مجاورةٍ لها!
بل في المدينةِ نفسِها!
ومعَ تعاقُبِ الصَّيفِ والشِّتاءِ، والفصُولِ على مدىٰ الأيَّامِ!
وبينَ بلادِ الجنوبِ والشّمالِ!
وبلادِ المشرِقِ والمغربِ!
وينبغي لنا أن نتيقّظَ إلى سويعاتِها؛ ولحظاتِها!
المواقيتُ (آياتٌ) دالَّةٌ على ربِّ المشارقِ والمغاربِ!
قَرَنْتْ بين بديعِ المنظرِ، وبلاغةِ الجوهرِ!
وكمْ في تغايرِها عندَ (السّفرِ) من مكانٍ لآخرَ من أثرٍ على النّفسِ!
فها هوَ (المقيمُ) يصلّي في بلدهِ (صلاةَ المغربِ) في السَّاعةِ (السابعةِ إلَّا ربُعًا مساءً)، فلمَّا سافرَ باتّجاهِ (الشّمالِ)، وإذْ بهِ يرى (الشّمسَ) لا زالتْ عينُها باديةً في طريقِهِ في ذاكَ الوقتِ!

جاءَ في تفسير ابن كثير:
"وَقَوْلُهُ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} أَيْ: يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ مُقَنَّنٍ مُقَدَّرٍ! لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَضْطَرِبُ! بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ مَنَازِلُ يَسْلُكُهَا فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ طُولًا وَقِصَرًا" اهـ‍ ...
"وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَقَدَّرَهُ} أَيْ: الْقَمَرَ {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}؛ فَبِالشَّمْسِ تُعْرَفُ الْأَيَّامُ! وَبِسَيْرِ الْقَمَرِ تُعْرَفُ الشُّهُورُ وَالْأَعْوَامُ.{مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ} أَيْ: لَمْ يَخْلُقْهُ عَبَثًا! بَلْ لَهُ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذَلِكَ، وَحُجَّةٌ بَالِغَةٌ!.." اهـ‍

ربُّنا -تباركَ وتعالى- القائلُ:
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان: 62]
هو القائلُ:
{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه : 130]
وهو القائلُ:
{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} الآية [المزّمِّل : 20]
فلْنتأملِ اقترانَ المظاهر الكونيّةَ بالعباداتِ الشّرعيّة!
ولْنَحيا معها حياةَ القلوبِ بالاعتبارِ والأعمالِ المرَّضيَّةِ عندَ ربِّ البريَّة !
فنسألُه تعالى أن يجعلَنا منَ العاقلينَ لآياتِهِ!
والسالكينَ عبرَها دربَ ذكرِهِ وعبادَتِهِ!
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
كتبتْهُ: حَسَّانَة بنت محمّد ناصر الدّين بن نوح الألبانيّ.
الخميس 5 صفر 1436هـ‍