"فَمنْ عرَضَ (أَقْوَالَ الْعلمَاءِ) على (النُّصُوصِ)، ووزنَهَا بهَا، وَخَالفَ مِنْهَا مَا خَالفَ (النَّصَّ)؛ لم يهْدِرْ أَقْوَالهمْ، وَلم يهضِمْ جانبَهُمْ؛ بلِ اقْتدَى بهمْ!"للعلاّمةِ: شمسِ الدّين ابنِ قيِّمِ الجَوزيَّةِ

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

"فَمنْ عرَضَ (أَقْوَالَ الْعلمَاءِ) على (النُّصُوصِ)، ووزنَهَا بهَا، وَخَالفَ مِنْهَا مَا خَالفَ (النَّصَّ)؛ لم يهْدِرْ أَقْوَالهمْ، وَلم يهضِمْ جانبَهُمْ؛ بلِ اقْتدَى بهمْ!"
للعلاّمةِ: شمسِ الدّين ابنِ قيِّمِ الجَوزيَّةِ
-رحمهُ اللهُ-


"فَصْلٌ:
وَالْفرق بَين (تَجْرِيد مُتَابعَة الْمَعْصُوم) و(إهْدَارِ أَقْوَال الْعلمَاء وإلغَائِهَا) أَنَّ:
تَجْرِيد الْمُتَابَعَةِ أَن لَا تُقَدِّمُ على مَا جَاءَ بِهِ قَولَ أحدٍ، وَلَا رَأْيه؛ كَائِنًا من كَانَ!
بلْ تَنْظرُ فِي صِحَّةِ الحَدِيثِ أَوَّلًا؛ فَإِذا صَحَّ لَكَ؛ نظرْتَ فِي مَعْنَاهُ ثَانِيًا
فَإِذَا تبيَّن لَكَ؛ لم تعْدِلْ عَنهُ وَلَو خالفَكَ مَنْ بَين الْمشرقِ الْمغربِ!
ومعاذَ اللهِ! أَنْ تتَّفِقَ الْأمَّةُ على مُخَالفَةِ مَا جَاءَ بِهِ نبيُّهَا!
بلْ لَا بُدَّ أَن يكونَ فِي الْأمة من قَالَ بِهِ وَلَو لم تعلمْهُ
فَلَا تجْعَلْ (جَهْلَكَ بالقائلِ بِهِ) حجَّةً على اللهِ وَرَسُولهِ
بل اذْهبْ إِلَى النَّصِّ، وَلَا تضعف!
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قدْ قَالَ بِهِ قَائِلٌ قطْعًا، وَلَكِنْ لم يصِلْ إِلَيْكَ، هَذَا مَعَ:
حفظِ (مَرَاتِب الْعلمَاءِ)، ومُوالاتهمِ، واعتقادِ حرمتِهِمْ، وأمانتِهِمْ، واجتهادِهِمْ فِي (حفظِ الدّينِ)، وَ(ضَبطهِ)!
فهمْ دائرونَ بَين (الْأجْرِ والأجرينِ) وَ(الْمَغْفِرَةِ)
وَلَكِنْ لَا يُوجبُ هَذَا إهدارَ النُّصُوصِ، وَتَقْدِيمِ قَولِ الْوَاحِد مِنْهُم عَلَيْهَا بِشُبْهَةِ أنَّهُ أعْلَمُ بهَا مِنْكَ!
فَإِن كَانَ كَذَلِك؛ فَمن ذهبَ إِلَى النَّصِّ أعْلَمُ بِهِ مِنْكَ؛ فَهَلَّا وافقْتَهُ إِنْ كنتَ صَادِقًا؟! فَمنْ عرَضَ (أَقْوَالَ الْعلمَاءِ) على (النُّصُوصِ)، ووزنَهَا بهَا، وَخَالفَ مِنْهَا مَا خَالفَ (النَّصَّ)؛ لم يهْدِرْ أَقْوَالهمْ، وَلم يهضِمْ جانبَهُمْ؛ بلِ اقْتدَى بهمْ!
فَإِنَّهُمْ -كلَّهُمْ- أمَرُوا بذلكَ!
فمتِّبِعُهُمْ -حَقًّا- منِ امتثلَ مَا أوصَوا بِهِ؛ لَا مَنْ خالفَهُمْ!
فخلافُهُمْ فِي القَوْلِ الَّذِي جَاءَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ؛ أسهلُ من مخالفتِهِمْ فِي الْقَاعِدَة الْكُلِّيِّةِ الَّتِي أمَرُوا، ودَعَوْا إِلَيْهَا؛ من (تَقْدِيم النَّصِّ) على (أَقْوَالهم)!
وَمن هُنَا؛ يتَبَيَّنُ الْفرْقُ بَين (تَقْلِيدِ الْعَالمِ فِي كلِّ مَا قَالَ)، وَبَين (الِاسْتِعَانَة بفَهْمِهِ والاستضاءةِ بِنور علْمِهِ)!
فَالْأوَّلُ: يَأْخُذُ قَوْلهُ من غيرِ نظرٍ فِيهِ، وَلَا طلبٍ لدليلِهِ من (الْكتابِ وَالسّنةِ)! بل يَجْعَلُ ذَلِكَ كالحبْلِ الَّذِي يُلقِيهِ فِي عُنُقهِ، يُقَلِّدُهُ بِهِ؛ وَلذَلِكَ سُمِّيَ (تقليدًا)
بِخِلَافِ (مَا اسْتَعَانَ بفَهْمِهِ والاستضاءةِ بِنور علْمِهِ) فِي الْوُصُولِ إِلَى الرَّسُولِ صلوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يجعلُهُمْ بِمَنْزِلَةِ (الدَّلِيل إِلَى الدَّلِيلِ الأوَّلِ)!
فَإِذا وصلَ إِلَيْهِ؛ اسْتغْنى بدلالتِهِ عَن الِاسْتِدْلَال بِغَيْرِهِ!
فَمن اسْتدلَّ بِالنَّجْمِ على الْقبْلَة؛ فَإِنَّهُ إِذا شَاهدهَا لم يبْقَ لاستدلالِهِ بِالنَّجْمِ معنًى!
قَالَ الشَّافِعِيُّ: "أجْمَعَ النَّاسُ على أَنَّ منِ اسْتَباَنتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ؛ لم يكنْ لَهُ أَنْ يَدعهَا لقَوْلِ أحدٍ"!اهـ‍
من كتاب "الرّوح"، (ص: 263-264).
~ ~ ~
الأربعاء: 21/جمادى الآخرة/1434هـ‍.