هلمُّوا إلى حِفْظِ (القُرْآنِ الْكَرِيْمِ) وتدبُّرِ (معانيهِ)!
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ...
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصّلاةُ والسّلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلينَ، نبيِّنَا محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ، أمَّا بعدُ:
ففي "صحيحِ البخاريِّ ومسلمٍ" عن حذيفةَ رَضِيَ الله عنهُ -في حديثِ الأمانةِ- قالَ:
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ: حَدَّثَنَا:
((أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ))!
((أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ))!
وفي روايةٍ أخرَى في "صحيح البخاريِّ":
((أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَنَزَلَ القُرْآنُ فَقَرَؤُوا القُرْآنَ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ))!
جاءَ في: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، (8/ 3380):
"...قَالَ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا دِينَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ))، قُلْتُ: إِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ آخِرًا وَمَا صَدَرَ أَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ: نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، فَإِنَّ نُزُولَ الْأَمَانَةِ بِمَعْنَى الْإِيمَانِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَصْلِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ يَعْلَمُونَ إِيقَانَهُ وَإِيقَانَهُمْ بِتَتَبُّعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا الْأَمَانَةُ فَهِيَ جُزْئِيَّةٌ مِنْ كُلِّيَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ". اهـ
وفي "صحيح مسلم":
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ:
((أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟)) فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! نُحِبُّ ذَلِكَ!
((أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟)) فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! نُحِبُّ ذَلِكَ!
قَالَ:
((أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ))!
((أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ))!
ومعنَى (كَوْمَاوَيْنِ): "...الْكَوْمَا مِنَ الْإِبِلِ -بفتح الكافِ- العظيمةُ السّنامِ".اهـ "شرح النّوويّ على مسلم".
وفي "عون المعبود شرح سنن أبي داوود":
"تَثْنِيَةُ كَوْمَاءَ؛ قُلِبَتِ الْهَمْزَةُ وَاوًا، وَأَصْلُ (الْكَوْمِ): الْعُلُوُّ؛ أَيْ: فَيَحْصُلُ نَاقَتَيْنِ عَظِيمَتَيِ السَّنَامِ، وَهِيَ مِنْ خِيَارِ مَالِ الْعَرَبِ"!اهـ
وممَّا لا شكَّ فيه ولا ريبَ، أنَّ حفظَ القرآنِ الكَريمِ زادٌ للمسلمِ! يقْطَعُ به صحراءَ الدُّنيًا!
راجيًا لِقَاءَ ربِّهِ يومَ القيامةِ؛ فيجزيَهُ الجزاءَ الأوفَى! فيقالُ لَهُ: "اقْرَأْ، وَارْقَ وَرَتِّلْ"!
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضيَ اللهُ عنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
راجيًا لِقَاءَ ربِّهِ يومَ القيامةِ؛ فيجزيَهُ الجزاءَ الأوفَى! فيقالُ لَهُ: "اقْرَأْ، وَارْقَ وَرَتِّلْ"!
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضيَ اللهُ عنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ يَومَ القِيَامَةِ: اقْرَأْ، وَارْقَ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ كُنْتَ تَقْرَؤُهَا)).[1]
وكمْ مِنْ (حافظٍ للقرآنِ الكريمِ)، قد ألفَى حِفظَهُ أسهلَ ممَّا كانَ يعتقدُ!
وتردادَهُ وتكرارَهُ أحلى ممَّا كانَ يظّنُّ!
كيفَ لاَ! ومُنْزِّلُهُ -رَبُّنَا تبارَكَ وتعالى- قدْ قالَ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[سورة القمر:17]
وتردادَهُ وتكرارَهُ أحلى ممَّا كانَ يظّنُّ!
كيفَ لاَ! ومُنْزِّلُهُ -رَبُّنَا تبارَكَ وتعالى- قدْ قالَ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[سورة القمر:17]
وهوَ القائلُ -جلَّ جلالُهُ-: {كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ}[سورة ص:29].
قالَ العلاّمةُ السّعديُّ -رحِمَهُ اللهُ- في تفسيرِهِ "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان":
"فيهِ خيرٌ كثيرٌ! وعلمٌ غزيرٌ! فيهِ كلُّ هدًى من ضلالةٍ، وشفاءٌ من داءٍ، ونورٌ يُستضاءُ به في الظّلماتِ، وكلُّ حُكْمِ يحتاجُ إليه المكَلَّفونَ...!". اهـ
وممَّا يلمَسُهُ (الحافظُ) ذلكَ (الشّوقُ) الذي يقرعَ بابَ فؤادِهِ، وهو ينتقلُ بمحفوظِهِ من سورةٍ إلى تاليَتِهَا! ومن معانٍ إلى أخرَى!
فها هوَ في آياتِ سورةِ (البقرةِ)..
ومن ثُمَّ إلى سورةِ (آلِ عمرانَ)..
فالنّساءِ، فالمائدةِ... وهكذَا إلى أنْ يصلَ إلى آخرِ المصحفِ، وقد مرَّ لُبُّهُ على (معانٍ) لا ترتقِي في التّعبيرِ عن إعجازِهَا وبلاغَتِهَا بحورُ شاعرٍ! ولا سجعُ ناثرٍ!
فها هوَ في آياتِ سورةِ (البقرةِ)..
ومن ثُمَّ إلى سورةِ (آلِ عمرانَ)..
فالنّساءِ، فالمائدةِ... وهكذَا إلى أنْ يصلَ إلى آخرِ المصحفِ، وقد مرَّ لُبُّهُ على (معانٍ) لا ترتقِي في التّعبيرِ عن إعجازِهَا وبلاغَتِهَا بحورُ شاعرٍ! ولا سجعُ ناثرٍ!
بلْ إنَّ استذكارَ الحافظِ لحفظهِ فيه طعمٌ لا يطعمُهُ إلَّا من ذاق حلاوةَ حفظِ القرآنِ!!
فلعمرِي! ما أبلغَ أنْ يجمعَ المرءُ قلبَهُ على تعاهُدِ كلامِ (ربِّه) و(إلهِهِ) الذِي قالَ عن كتابهِ:
{اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}! [الزمر: 23]
فلعمرِي! ما أبلغَ أنْ يجمعَ المرءُ قلبَهُ على تعاهُدِ كلامِ (ربِّه) و(إلهِهِ) الذِي قالَ عن كتابهِ:
{اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}! [الزمر: 23]
فلأجلِ أنْ نحظَى بذاكَ الفضلِ العظيمِ!
ولِنقضيَ ما تبقَّى من أعمَارِنَا مع القرآنِ الكريمِ، بعيدينَ عَن قيلٍ وقالٍ!
مُقْبِلِيْنَ على أَصدْقِ الحَدِيْثِ، وعظيمِ المقالِ!
سأشرَعُ -بحولِهِ تعالى وحدَهُ لاَ شريكَ لَهُ- بتخصيصِ قسمِ (حفظِ القرآنِ الكريمِ)، وفقَ الآتي:
1) أضعُ في الموضوع عددًا من الآيات الكريمةِ (التي ستُحفَظُ) ابْتداءً من سورةِ البقرةِ، بما يقاربُ ربعَ الحزبِ، تزيدُ أو تنقصُ؛ حسبَ حُسنِ القطعِ على المعاني.
2) آتي على شيءٍ من (المتشابه اللّفظيِّ) -إن لزمَ-.
3) أُعرِّجُ على بعضِ الكلماتِ من ناحية (الأحكام التّجويديّة)، وكيفيّة نطقها.
ألاَ! وإنّهُ قدْ أوحيَ إلى نبيِّنَا عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ -في سورة (ص) الآيةُ (25):
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (29)
لذا -وبحولِهِ تعالى-:
4) أردفُ الآياتِ (المقرَّرِ حفظُها) بتأويلِ بعضٍ منها، وبعضِ مفرداتِها من تفسير العلاَّمة السّعديّ
5) أضيفُ معلوماتٍ أخرَى، حينَ ورودِ ما يقتضي إيرادَ تلكَ المعلومةِ.
مستخدمةٍ في بعضِ ما سبقَ أسلوبَ (الأسئلة والأجوبةِ)، بعونِهِ تعالَى.
وذلكَ إعانةً على حفظِ الآياتِ الكريمة، وتدبُّرِ معانيهَا. 5) أضيفُ معلوماتٍ أخرَى، حينَ ورودِ ما يقتضي إيرادَ تلكَ المعلومةِ.
مستخدمةٍ في بعضِ ما سبقَ أسلوبَ (الأسئلة والأجوبةِ)، بعونِهِ تعالَى.
ومن ثُمَّ، وبُعَيْدَ أيَّامٍ -يغلبُ على الظنِّ أنها كافيةٌ لحفظِ ذاكَ المقدارِ من الآياتِ الكريمةِ- أضعُ -بمشيئتهِ تعالى- موضوعًا آخرَ؛ وفيهِ آياتُ الرّبعِ الموالي، على النّسَقِ السّابقِ نفسِهِ...
وهكذَا إلى أن تنتهيَ سورةُ البقرة، فآلِ عمرانَ وهكذا...
حسب تيسيرِ اللهِ تبارَكَ وتعالَى..
(وهذا جهدُ المقلّ)، إذ لا يتاح في هذه المساحة تحقيقُ ما في النّفسِ من التّوسّعِ في ما تستحقُّهُ مسألةُ (حفظِ كتابِ اللهِ) من طرحِ المزيدِ والمزيدِ!
ومُريدُ (الحفظِ)؛ ينبغي لهُ:
1- قراءةُ تفسيرِ الآياتِ المرادِ حِفظُهَا (كلمةُ كلمةً!) من تفسير العلاَّمةِ السّعديِّ -رحمهُ اللهُ-.
2- حِفظُهَا حِفظًا مُحْكَمًا!
(وهذا جهدُ المقلّ)، إذ لا يتاح في هذه المساحة تحقيقُ ما في النّفسِ من التّوسّعِ في ما تستحقُّهُ مسألةُ (حفظِ كتابِ اللهِ) من طرحِ المزيدِ والمزيدِ!
ومُريدُ (الحفظِ)؛ ينبغي لهُ:
1- قراءةُ تفسيرِ الآياتِ المرادِ حِفظُهَا (كلمةُ كلمةً!) من تفسير العلاَّمةِ السّعديِّ -رحمهُ اللهُ-.
2- حِفظُهَا حِفظًا مُحْكَمًا!
دربُ الحفظِ طويلٌ! لكنّهُ دربٌ عامرٌ بالعبادةِ والحياةِ معَ كتابِ اللهِ، المجيدِ!
وحسبنَا أن يمضيَ فيهِ مريدُ الحفظِ -بعونه تعالى-، بإخلاصٍ ومتابعةٍ، وإن لم يصلْ!....
وحسبنَا أن يمضيَ فيهِ مريدُ الحفظِ -بعونه تعالى-، بإخلاصٍ ومتابعةٍ، وإن لم يصلْ!....
راجيةً اللهَ عزَّ وجلَّ أن يثيبنَا ويعينَنا ويتقبّلَ منَّا؛ ويجعله لوجهِ الكريم؛ إنُّه غفورٌ شكورٌ!
وأن يوفّقني على إفادةِ وإعانةِ السّالكينَ لهذا الطّريقِ!
ويرزقني الإخلاصَ والمتابعةَ والإحسانَ فيه!
ويجعلَهُ حجَّةً لي، وذخرًا بعدَ مماتي!
إنه بكلِّ شيءٍ عليمٌ!
وأن يوفّقني على إفادةِ وإعانةِ السّالكينَ لهذا الطّريقِ!
ويرزقني الإخلاصَ والمتابعةَ والإحسانَ فيه!
ويجعلَهُ حجَّةً لي، وذخرًا بعدَ مماتي!
إنه بكلِّ شيءٍ عليمٌ!
حَسَّانَة بنت محمّد ناصر الدّين بن نوح الألبانيّ.
الإثنين: 12/ جمادى الآخرة/ 1434هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] - قال عنهُ الوالدُ -رحمهُ اللهُ-: "حسن صحيح". يُنظر: "التّعليقات الحسان على صحيح ابن حبّان"، كتاب الرّقائق، باب قراءةِ القرآن، الحديث رقم (763).