بسم الله الرّحمن الرّحيم
ليس طبّه صلّى الله عليه وسلّم كطبّ الأطبّاء
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ رضِيَ اللهُ عنه؛ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ:
إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ!
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((اسْقِهِ عَسَلاً))؛ فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ؛ فَقَالَ:
إِنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلاً؛ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلاَّ اسْتِطْلاقًا! فَقَالَ لَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ؛ فَقَالَ:
((اسْقِهِ عَسَلاً))!
فَقَالَ: لَقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلاَّ اسْتِطْلاَقًا! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((صَدَقَ اللهُ! وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ))! فَسَقَاهُ فَبَرَأَ!
رواه مسلم ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب: السّلام/ باب التّداوي بسَقي العسل/ الحديث رقم: (2217).
وأورده الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ في: "سلسلته الصّحيحة"؛ رقم الحديث:
(243)
وذكر تحته كلام العلاّمة: ابن القيّم ـ رحمه الله ـ:
[في: "الزّاد" (3/ 97 ـ 98) ـ بعد أن ذكر كثيرًا من فوائد العسل ـ:
"فهذا الّذي وصف له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم(العسل) كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته عن امتلاء؛ فأمَرَهُ بشرب (العسل)؛ لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء.
فإنّ (العسل) فيه جلاء ودفع للفضول، وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيه للزوجتها؛ فإنّ المعدة لها خمل كخمل المنشفة؛ فإذا علقت بها الأخلاط اللّزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء؛ فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط!
و(العسل) من أحسن ما عولج به هذا الدّاء؛ لا سيّما إن مزج بالماء الحارّ.
وفي (تكرار) سقيه (العسل) معنى طبّيّ بديع! وهو أنّ:
الدّواء يجب أن يكون له (مقدار) و(كمّيّة) بحسب حال الدّاء؛ إن قصر عنه لم يُزِله بالكلّيّة، و إن جاوزه أوهن القوى؛ فأحدث ضررًا آخر!
فلمّا أمَرَهُ أن يسقيه العسل؛ سقاه مقدارًا لا يفي بمقاومة الدّاء، ولا يبلغ الغرض!
فلمّا أخبره؛ علم أن الّذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة.
فلمّا (تكرّر) ترداده إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أكَّدَ عليه المعاودة؛ ليصل إلى المقدار المقاوم للدّاء؛
فلمّا (تكرّرت) الشّربات بحسب مادّة الدّاء؛ برَأَ بإذن الله!
واعتبار مقادير الأدوية، وكيفيّاتها، ومقدار قوّة المرض والمريض؛ من أكبر قواعد الطّبّ!
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((صَدَقَ اللهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ))؛ إشارة إلى:
ـ تحقيق نفع هذا الدّواء
ـ وأنّ بقاء الدّاء ليس لقصور الدّواء في نفسه؛ ولكن لكذب البطن، وكثرة المادّة الفاسدة فيه.
فأمره بتكرار (الدّواء)؛ لكثرة (المادّة)!
وليس (طبّه) صلّى الله عليه وسلّم كطبّ (الأطبّاء)!
فإنّ (طبّ) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم متيَقَّنٌ قطعيٌّ إلهيٌّ؛ صادر عن الوحي، ومشكاة النّبوّة، وكمال العقل، و(طبّ) غيره أكثره (حدس) و(ظنون) و(تجارب)!
ولا يُنْكَرُ عدم انتفاع كثير من المرضى بطبّ النبوة؛ فإنّه إنّما ينتفع به من:
• تلقّاه بالقبول
• واعتقاد الشّفاء به
• وكمال التّلقي له بالإيمان والإذعان!
فهذا القرآن ـ الّذي هو شفاء لما في الصّدور ـ إن لم يُتلقَّ هذا التّلقّي لم يُحْصَلْ به شفاء الصّدور من أدوائه! بل لا يزيد المنافقين إلاَّ رجسًا إلى رجسهم، ومرضًا إلى مرضهم!
وأين يقع طبّ الأبدان منه؟!
فطبّ النّبوّة لا يناسب إلاَّ (الأبدان الطّيَبة)؛ كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلاّ (الأرواح الطيّبة)، و(القلوب الحيّة)!
فإعراض النّاس عن (طبّ النّبوّة)؛ كإعراضهم عن (الاستشفاء بالقرآن) الّذي هو الشّفاء النّافع!
وليس ذلك لقصور في الدّواء؛ ولكن لخبث الطّبيعة، وفساد المحلّ، وعدم قبوله، والله الموفّق"]. ا.هـ.
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
الأحد/2/ ذو القعدة/ 1431هـ