جلبابُنا واليقظةُ إلى الغايةِ التي خلقَنا اللهُ لِأجْلها!


بسمِ الله الرحمن الرّحيم

الحمدُ للهِ والصّلَاةُ والسّلَامُ على رسولِ اللهِ، أما بعد:
فهذهِ فقرةٌ كتبْتُها في كتابي: "الأفضليّةُ لسترِ المرأةِ وجهها وكفّيها لَا لكشفِهما اسْتنارةً بفقهِ والدي" رحمَهُ اللهُ،  (ص: 91).
أسألُ اللهَ أن ينفعَ بها:
جلبابُنا واليقظةُ إلى الغايةِ التي خلقَنا اللهُ لِأجْلها!
قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} (الذَّاريات).
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)} (النَّجم).
يقرنُ بينَ هاتينِ الآيتينِ الكريمتينِ الإمامُ ابْنُ القيِّمِ؛ قائلًا:
"وَقَالَ تَعَالَىٰ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} (الذَّاريات).
فَهَٰذِهِ الغَايَةُ هِيَ (الـمُرَادَةُ مِنَ العِبَادِ)؛ وَهِيَ: أَنْ يَعْرِفُوا رَبَّهُمْ، وَيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ.
وَأَمَّا الغَايَةُ (الـمُرَادَةُ بِهِمْ)؛ فَهِيَ: الـجَزَاءُ بِالعَدْلِ، والفَضْلِ، والثَّوَابِ، والعِقَابِ.
قَالَ تَعَالَىٰ: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)} (النَّجم)" اهـ‍([1]).  
فأينَ مَوْقِعُ حجابِنا، وجلَابيبِنا وأشكالِها -اليومَ- مِنْ تَيْنِ الغايَتَيْنِ العظيمَتَيْنِ؟!
وهلْ فيهما ما يدْعُو للـمُماطَلَةِ والتّسويفِ حتَّىٰ نقتنعَ بالحجابِ؟!
وهلْ فيهِما ما يحتَمِلُ العدولَ عنِ الجلبابِ الشَّرعيِّ الصّحيحِ إلى الأغطيةِ الكاسيةِ العاريةِ؟!
إنَّهما لغايتانِ جلِيلَتانِ دافِعتانِ لنا للتَّحلِّي بحُلْيَةِ: {عَابِدَاتٍ}، التي رفع ربُّنا عزَّ وجلَّ شأنَها بِقولِهِ:
{عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً (5)} (التَّحريم).
ومعنىٰ " {عَابِدَاتٍ}: مُتَذَلِّلَاتٍ للهِ بِطَاعَتِهِ" اهـ‍([2]).
ومِنْ أفرادِ العبادةِ والطَّاعةِ التي ينبغي أنْ نتيقَّظَ لها -نحنُ النّساءُ-: (حجابُنا)؛ الذي هو شريعةٌ مِنْ شرائعِ الإسلَامِ الظّاهرةِ؛ قدْ كلَّفنا اللهُ بهِ وأوجبَهُ علينا؛ ممَّا ينبغي أنْ تحرصَ معَهُ المسلمةُ أشدَّ الحرصِ على الخضوعِ للهِ بارتدائِهِ، إذْ لم يُكلِّفْها اللهُ بِهِ إلَّا لمصالِحَ عديدةٍ؛ ممّا لَا يَسَعُ معَهُ أنْ تعبَثَ بهِ وتتسلَّىٰ؛ كما يحصلُ اليوم!
فكمْ نحنُ -المسلماتُ- بحاجةٍ أنْ نُكبِّرَ عُقولَنا، ونُصلِحَ نيَّتَنا؛ لتصلُحَ ظواهِرُنا؛ فنتحجَّبَ مُتعبِّداتٍ للهِ بِهِ، راجياتٍ رضاهُ وحدَهُ، متوخِّياتٍ ما أمرَ اللهُ بِهِ لَا رضا النّاسِ، ولَا هلْ سيُعجِبُ النّاسَ، ولَا ماذا سيقولُ عنْهُ النّاسُ، ولَا استعراضًا للنّاسِ، ولَا فُرْجَةً للنّاسِ.
ولنكُنْ عاقلَاتٍ: مَنْ تَلْبَسُ ما يُغضِبُ ربَّها، ماذا أغنَى عنْها النَّاسُ في دارِ الدُّنيا؟! فكيفَ بدارِ الآخِرة؟! أنمشي علىٰ دينِ النّاسِ، أم علىٰ دينِ ربِّ النّاسِ؟!
فلندرِكْ أنفُسَنا؛ فالحياةُ قصيرةٌ، والمصيرُ رهيبٌ؛ لَا يحتملُ معَهُ أنْ تكونَ مخالَفتُنا الشّرْعَ في جلَابيبِنا سببًا لحرمانِنا مِنَ الِارْتقاءِ إلىٰ عزِّ (العَابداتِ) للهِ وحدَهُ.
انتهت الفقرة، بحمدِ الله.
كتبتْهُ: حسَّانةُ بنتُ محمّدٍ ناصر الدّين بن نوحٍ الألبانيّ.
الإثنين 27 شعبان 1441هـ‍.


([1]) "بدائعُ الفوائد" (4/ 164).
([2]) "تفسير الطَّبريّ: جامع البيان عن تأويل آيِ القرآن" (26/ 132).