فَمَتَى تَشَاغَلَ العَابِدُ بِخِتْمَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَقَدْ خَالَفَ الحَنِيْفِيَّةَ السَّمْحَةَ!


بسمِ الله الرَّحمن الرَّحيم

• قالَ الحافظُ الذهبيُّ -رحمَهُ اللهُ-:
"فَأَقَلُّ مَرَاتِبِ النَّهْيِ: أَنْ تُكْرَهَ (تِلَاوَةُ القُرْآنِ) كُلِّهِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ،
فَمَا فَقِهَ وَلاَ تَدَبَّرَ مَنْ تَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ!
وَلَوْ تَلَا وَرَتَّلَ فِي أُسْبُوْعٍ، وَلَازَمَ ذَلِكَ؛ لَكَانَ عَمَلًا فَاضِلًا؛ فَالدِّيْنُ يُسْرٌ،
فَوَاللهِ! إِنَّ تَرْتِيْلَ سُبُعِ القُرْآنِ فِي تَهَجُّدِ قِيَامِ اللَّيْلِ،
مَعَ المُحَافَظَةِ عَلَى النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ، وَالضُّحَى، وَتَحِيَّةِ المَسْجِدِ،
مَعَ الأَذْكَارِ المَأْثُوْرَةِ الثَّابِتَةِ، وَالقَوْلِ عِنْدَ النَّوْمِ وَاليَقَظَةِ، وَدُبُرَ المَكْتُوبَةِ وَالسَّحَرِ،
مَعَ النَّظَرِ فِي العِلْمِ النَّافِعِ، وَالاشْتِغَالِ بِهِ مُخْلَصًا للهِ،
مَعَ الأَمْرِ بِالمَعرُوْفِ، وَإِرْشَادِ الجَاهِلِ وَتَفْهِيْمِهِ، وَزَجْرِ الفَاسِقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ،
مَعَ أَدَاءِ الفَرَائِضِ فِي جَمَاعَةٍ بِخُشُوْعٍ وَطُمَأْنِيْنَةٍ وَانْكِسَارٍ وَإِيْمَانٍ،
مَعَ أَدَاءِ الوَاجِبِ، وَاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ،
وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالاسْتِغْفَارِ، وَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالتَّوَاضُعِ،
وَالإِخْلَاصِ فِي جَمِيْعِ ذَلِكَ، لَشُغْلٌ عَظِيْمٌ جَسِيْمٌ،
وَلَمَقَامُ أَصْحَابِ اليَمِيْنِ وَأَوْلِيَاءِ اللهِ المُتَّقِيْنَ،
فَإِنَّ سَائِرَ ذَلِكَ مَطْلُوْبٌ.
فَمَتَى تَشَاغَلَ (العَابِدُ) بِخِتْمَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ؛ فَقَدْ خَالَفَ الحَنِيْفِيَّةَ السَّمْحَةَ!
وَلَمْ يَنْهَضْ بِأَكْثَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلاَ تَدَبَّرَ مَا يَتْلُوْهُ....
وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَزُمَّ نَفْسَهُ فِي تَعَبُّدِهِ وَأَوْرَادِهِ بِـ(السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ)؛ يَنْدَمُ، وَيَتَرَهَّبُ،
وَيَسُوْءُ مِزَاجُهُ،
وَيَفُوْتُهُ خَيْرٌ كَثِيْرٌ مِنْ مُتَابَعَةِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ الرَّؤُوْفِ الرَّحِيْمِ بِالمُؤْمِنِيْنَ، الحَرِيْصِ عَلَى نَفْعِهِم،
وَمَا زَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلِّمًا لِلأُمَّةِ أَفْضَلَ الأَعمَالِ،
وَآمِراً بِهَجْرِ التَّبَتُّلِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ بِهَا" انتهى مختصَرًا.
"سير أعلام النّبلاء" ط الرسالة (3/ 84-85)، ط 3 (1405هـ‍)، مجموعة من المحقّقين بإشراف الشّيخ شُعيب الأرناؤوط، مؤسّسة الرّسالة.