سَبَبُ تأليفِ الوالدِ الإمامِ الألبانيِّ لكتابِهِ: صفةِ صلاةِ النّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم من التَّكبير إلى التَّسليمِ كَأنَّكَ تَرَاهَا



سَبَبُ تأليفِ والدِي لكتابِهِ:
صفةِ صلاةِ النّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمدُ للهِ، والصّلاةُ والسّلام على رسولِ اللهِ، وبعدُ:
فإنَّ لكتابِ "صفة صلَاة النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم من التَّكبير إلى التَّسليم كأنَّكَ تَرَاها" الذي ألَّفَهُ والدِي -رحمةُ اللهُ عليهِ- أهمّيّةً عظيمةً لا يُدركها إلَّا من قرأهُ! تلكَ الأهمّيّةُ التي تحثُّني إلى دعْوَةِ كُلِّ مُسْلِمٍ إلى أمور:
- الأوّلُ: إلى قراءتِهِ ودراسَتِهِ، ليصلِّيَ بصلاةِ نبيِّنا محمَّدٍ عليهِ الصَّلاة والسّلام!
- الثّاني: إلى العودةِ إليهِ بين مدَّةٍ وأخرى؛ ليُجدِّدَ صلَاتَهُ فيُقيمَهَا باستمرارٍ على السُّنَّةِ!
- الثّالث: إلى إرشادِ النّاسِ إلى قراءتِهِ، فكُلَّما رَأينا مُسيئًا صلَاتَهُ، اختصرْنا الكلامَ ودلَلْناهُ عليه.
وهنا، أنقلُ ما سطَّرَهُ والدي -جزاهُ اللهُ خيرَ الجزاءِ- عن سبَبِ -بل هيَ أسبابُ- تأليفِهِ لهذا الكتابِ البارِعِ النّفيسِ! ممَّا أسفَرَ معَهُ ما وهبَهُ اللهُ لوالدِي من بُعْدِ النَّظرِ! ورُسوخِ التَّأصيل! ونعمةِ التّوفيقِ! فضْلًا عن حرْصِهِ ودقَّةِ انّباعِهِ لنبيِّنا عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام!...
والحمدُ للهِ أوَّلًا وآخرًا.

قالَ وَالدِي، رحمةُ اللهُ عليه:
"..وبعدُ؛ فإنِّي لـمَّا انتهيتُ من قراءةِ (كتابِ الصَّلاةِ) من "التَّرغيب والتَّرهيب"، للحافظ المنذريِّ -رحمهُ اللهُ- وتدريسهِ على بعضِ إخوانِنا السَّلفيِّين -وذلك منذُ أربعِ سنينَ- تبيَّنَ لنا -جميعًا- ما (للصَّلاةِ) من المنزلةِ والمكانةِ في الإسلامِ!
وما لمنْ أقامَها وأحسنَ أداءَهَا من الأجْرِ، والفضْل، والإكرامِ!
وأنَّ ذلكَ يختلفُ - زيادةً ونقصًا- بنسبةِ قُربِها أو بُعْدِها من صَلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما أشارَ إلى ذلكَ بقولِهِ:
((إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ؛ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا: عُشْرُهَا، تُسْعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا، سُدُسُهَا، خُمُسُهَا، رُبُعُهَا، ثُلُثُهَا نِصْفُهَا))!

ولذلكَ؛ فإنِّي نبَّهتُ الإخوانَ إلى أنَّهُ لا يُمكِنُنَا أداؤُها حقَّ الأداءِ -أو قريبًا منهُ - إلَّا إذَا:
علِمْنَا (صفةَ صلَاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) مفصَّلَةً!
وما فيها من: واجباتٍ، وآدابٍ، وهيئاتٍ، وأدعيةٍ، وأذكارَ!
ثمَّ حَرَصْنا على تطبيقِ ذلكَ عمليًّا!
فحينئذٍ؛ نرجُو أن تكونَ صلاتُنا تنْهانا عنِ الفحشاءِ والمنكرِ!
وأن يُكتَبَ لنا ما وردَ فيها منَ الثَّوابِ والأجْر!

• ولـمَّا كانَ معرفةُ ذلكَ على (التَّفصِيلِ) يتعذَّرُ على أكثرِ النَّاسِ -حتَّى على كثيرٍ منَ العلماءِ- لتقيُّدِهم بمذهبٍ مُعيَّنٍ، وقد عَلِمَ كلُّ مُشتغلٍ بخدمةِ السُّنَّةِ المطَهَّرةِ جمعًا وتفقُّهًا أنَّ في كلِّ مذهبٍ من المذاهبِ سُنَنًا لا تُوجدُ في المذاهبِ الأُخْرَى
وفيها -جميعِها- ما لا يصحُّ نسبتُهُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، من الأقوالِ والأفعالِ، وأكثرُ ما يُوجدُ ذلكَ في كتب المتأخِّرينَ
وكثيرًا ما نراهُم يجزمِونَ بعزوٍ ذلكَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
ولذلكَ؛ وضعَ عُلماءُ الحديثِ -جزاهمُ اللهُ خيرًا- على بعضِ ما اشْتُهر منها كتبَ التَّخريجاتِ؛ التي تُبيِّنُ حالَ كلِّ حديثٍ -ممَّا وردَ فيها- من صحَّةٍ، أو ضَعْفٍ، أو وضْعٍ؛ ككتاب:
- "العناية بمعرفة أحاديث الهداية"، و"الطُّرق والوسائل في تخريج أحاديث خلاصة الدَّلائل"،  كلاهما للشّيخ: عبد القادر بن محمّد القرشيّ الحنفيّ
- و "نصب الرَّاية لأحاديث الهداية"، للحافظ الزَّيلعيّ
- ومختصرِه "الدّراية"، للحافظِ ابنِ حجرٍ العسقلانيّ
- و "التَّلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرّافعيّ الكبير"، لهُ أيضًا
وغيرِها؛ ممَّا يطولُ الكلامُ بإيرادِها.

أقولُ: لـمَّا كانَ معرفةُ ذلكَ على (التَّفصيلِ) يتعذَّرُ على أكثرِ النَّاسِ؛ ألَّفْتُ لهُمْ هذَا الكتابَ؛ ليتَعلَّموا (كيفيَّةَ صلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ)! فيهتدُوا بهديِه فيها!
راجيًا منَ المولى -سُبحانَهُ وتعالى- ما وعَدَنا بهِ على لِسانِ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى؛ كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ؛ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا)).
رواهُ مسلمٌ وغيرُهُ، وهوَ مُخرَّجٌ في "الصّحيحة"، (863).

• ولـمَّا كنتُ لم أقفْ على كتابٍ جامعٍ في هذا الموضوعِ؛ فقدْ رأيتُ من (الواجبِ عليَّ) أنْ أضعَ لأخواني المسلمين -ممَّنْ همُّهُمُ الِاقتداءُ في عبادتِهمْ بهديِ نبيِّهمْ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كتابًا مُسْتَوعِبًا -ما أمكنَ- لجميعِ ما يتعلَّقُ بـ (صفةِ صَلَاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من التَّكبيرِ إلى التَّسليمِ)؛ بحيثُ يُسَهِّلُ على من وقَفَ عليهِ -من الـمُحبِّين للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حبًّا صادقًا!- القيامَ بتحقيقِ أمرهِ في الحديثِ المتقدِّم: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي)).

ولهذَا؛ فإنِّي شمَّرْتُ عن ساعدِ الجِدِّ!
وتَتَبَّعْتُ الأحاديثَ المتعلِّقَةَ بما إليهِ قصدتُّ من مُخْتَلَفِ كتبِ الحديثِ
فكان مِن ذلكَ هذا الكتابُ الذي بين يديكَ!
وقد اشترطتُ على نفسي:
- أنْ لا أوُردَ فيهِ منَ الأحاديثِ النَّبويَّةِ إلَّا ما ثبتَ سندُهُ؛ حسبَما تقتضيهِ قواعدُ الحديثِ الشَّريفِ، وأصولُهُ
- وضربتُ صَفْحًا عن كلِّ ما تفرَّدَ به مجهولٌ، أو ضعيفٌ؛ سواءٌ كانَ في الهيئاتِ، أوِ الأذكارِ، أوِ الفضَائلِ، وغيرِها
لأنَّني أعتقدُ أنَّ فيما ثبتَ من الحديثِ غُنيةً عنِ الضَّعيفِ منهُ!
لأنَّهُ لا يفيدُ -بلا خلافٍ- إلَّا الظَّنَّ والظَّنَّ المرجوحَ
وهو كما قال تعالى: {لَا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا} [النَّجم: 28] .
وقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  ((إِيَّاكُمْ وَالظَنَّ! فَإِنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيث)).
فلمْ يتعبَّدْنَا اللهُ تَعَالى بالعَمَلِ بِهِ؛ بلْ نهانَا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه؛ فقال: ((اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي، إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ)).
فإذَا نهَى عن روايةِ الضَّعيفِ؛ فبالأحْرَى أن يَنْهَى عنِ العمَلِ به.
هذا، وقد سمَّيتُ الكتابَ:
" صِفَةُ صَلَاةِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منَ التَّكبير إلى التَّسليمِ كَأنَّكَ تَرَاهَا!"...".
* * *
انتهى هُنا ما ابتغيتُ نقْلَهُ من كلامِ والدي، رحمةُ اللهِ عليهِ
وبلَّغهُ ما رَجاهُ من مولاهُ من أجورِ من تَبعَ الهُدى الذي خَطَّتْهُ يداهُ في هذا الكتَابِ النّافع!
وجمعَنا بهِ في الفردوسِ الأعلى.
وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّم.
النّقلُ من متنِ "أصل صفةِ الصَّلاةِ"، (1/ 14- 19)،  ط(1427هـ‍)، مكتبة المعارف، الرّياض.
- - -
الأحد 18 ذو القعدة 1437 هـ‍