في تفسير الآية (124) من سورة طه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي}. للإمامِ ابن القيّم



بسم الله الرحمن الرحيم
في تفسير الآية (124) من سُورة طَه:  {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي}.

• قال ربُّنا تباركَ وتعالى في سورة "طه": {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [123- 124].

• وبيْنَ هاتينِ الآيتينِ الكَريمتينِ مناسبةٌ نبَّهنا إليها الإمامُ ابنُ القيّمِ -رحمهُ اللهُ- مُبيِّنًا معنى (أعرَضَ) ومعنى {ذِكْرِي}، حيثُ قالَ:
"ثمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}
لـمَّا أخبرَ سُبْحَانَهُ عَن حَالِ من (اتَّبَعَ هُدَاهُ) فِي معاشِهِ ومعادِهِ، أخبَرَ عَن حَالِ من أعْرِضَ عَنهُ (وَلمْ يتَّبِعْهُ)! فَقَالَ:  {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}؛ أَي: عَنِ (الذِّكْر) الَّذِي أنزلتُهُ
فـ (الذِّكْر) -هُنَا- مصدرٌ مُضَافٌ إلى الفَاعِل؛ كـ (قيامِي) و(قرَاءتي)؛ لَا إلى الـمفْعُول .
وَلَيْسَ الْمَعْنى: وَمنْ أعْرَضَ عَنْ أنْ يذْكُرَنِي؛ بلْ هَذَا لَازمُ المعْنى وَمُقْتَضَاهُ من وَجهٍ آخَر سَنذكرُهُ.
وأحسَنُ من هَذَا الْوَجْهِ؛ أنْ يُقَالَ: (الذِّكْر) -هُنَا- مُضَافٌ إِضَافَةَ الأسماءِ؛ لَا إِضَافَةَ المصادرِ إلى معمولَاتها، وَالْمعْنَى: (وَمنْ أعْرَض عَن كِتَابي وَلمْ يتَّبِعْهُ)!.." اهـ‍
"مفتاح دار السَّعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة"،  (1/ 42-43)، دار الكتب العلميّة، بيروت.
- - -
الخميس 23 شوّال 1437هـ‍