"وجوبُ ذكرِ اللهِ سبحانَهُ! وكذَا الصّلاةُ على النَّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، في كلِّ مجلسٍ!"...

"وجوبُ ذكرِ اللهِ سبحانَهُ!
وكذَا الصّلاةُ على النَّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
في كلِّ مجلسٍ!"...
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم...
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنَا محمّدٍ وعلى آلِهِ أجمعينَ، أمّا بعدُ:
فهذا موضوعٌ اقتبستُ (عنوانَهُ) ممّا كتبَهُ والدي -رحمهُ اللهُ تعالى- في سلسلتِهِ الذّهبيّةِ "الصّحيحة".
فأتيتُ بالأحاديثِ التي أوردها -رحمهُ اللهُ-، والتي استنبطَ منها هذا الحكمَ، ثمَّ عرّجتُ على بعضِ معاني ألفاظِهَا ومدلولِها؛ وفقَ ما أفادَ بهِ أهلُ العلمِ.
سائلةً اللهَ -عزَّ وجلَّ- أن يكتبَنَا من الذّاكرينَ لهَ -جلَّ شأنُهُ- حتّى نلقاهُ!
فقدْ قالَ ربُّنا تباركَ وتعالى في سياقِ صفاتِ مَنْ أعدَّ لهم مغفرةً وأجرًا عظيمًا:
{وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}[1]
وقالَ تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[2]
وقالَ سبحانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيرًا}[الأحزاب: 41]
فهذِهِ الآياتُ الكريماتُ؛ يأمرنُا اللهُ -جلَّ جلالُهُ- من خلالِهَا بـ (ذِكْرِهِ)!
وليسَ ذلكَ فحسبُ! بل ويحثُّنا على الإكثارِ من (ذكرهِ)! جلَّ وعلاَ!
قالَ الإمامُ (الطّبريُّ) -رحمهُ اللهُ- في تفسيرِهِ:
"يقولُ تعالى ذكرُهُ: يا أيُّهَا الّذينَ صدقُوا اللهَ ورسولَهُ! اذكرُوا اللهَ بقلوبِكُمْ، وألسنتِكُمْ، وجوارحِكُمْ، ذكرًا كثيرًا! فلا تخلُو أبدانُكُمْ من ذكِرِهِ في حالٍ من أحوالِ طاقتِكُمْ ذلكَ!"ا.ه‍
من هديِهِ عليه الصّلاةُ والسّلامُ في التّرهيبِ من تركِ (الذِّكْرِ)!
ويأتي (هدْيُ) نبيِّنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ، لنقفَ من خلالِهِ على مآلِنا إن خوتْ مجالسُنَا من (ذكرِ اللهِ)!
هذا الهدْي الذي نقلَهُ الصّحابيُّ الجليلُ: أبو هريرةَ، رضيَ اللهُ عنهْ، عبرَ رواياتٍ عديدةٍ، أسردُها تباعًا:
- فعَنْه رضيَ اللهُ عنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ؛ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً! فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ))![3]
 - ((أيُّما قَوْمٍ جَلَسُوا، فأَطالُوا الجُلوسَ، ثمَّ تَفَرَّقُوا قَبْلَ أنْ يَذْكرُوا الله تَعَالَى، أوْ يُصَلُّوا على نَبِيِّهِ؛ كانَتْ عَلَيْهِمْ تِرَةً مِنَ اللهِ! إنْ شاءَ عَذَّبَهُمْ وَإنْ شاءَ غَفَرَ لَهُمْ))[4]
 - ((مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًالَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ))![5]
- ((مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللهَ فِيهِ؛ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ! وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً))![6]
- ((مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهِ؛ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ!
وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ))![7]
- ((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَلَمْ يَذْكُرُوا اللهَ؛ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً!
وَمَا مِنْ رَجُلٍ مَشَى طَرِيقًا فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ؛ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً!
وَمَا مِنْ رَجُلٍ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ؛ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً!))[8]
فقهُ الأحاديث:
قالَ الوالدُ -رحمهُ اللهُ تعالى- بعدَ سياقِهِ لتلكِ الأحاديثِ الشّريفةِ؛ مبيِّنًا وجهَ الدّلالةِ على (الوجوبِ)[9]:
"فقهُ الحديثِ:
لقدْ دلَّ هذا الحديثُ الشّريفُ -وما في معناهُ- على:
(وجوبِ ذكرِ اللهِ سبحانهُ)! وكذا:
(الصّلاةُ على النَّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ) في كلِّ مجلسٍ!
ودلالةُ الحديثِ على ذلكَ؛ من وجوهٍ:
أوَّلاً: قولُهُ: ((فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ))!
فإنَّ هذا لا يُقالُ إلاَّ فيما كانَ فِعْلُهُ (واجبًا)، وتركُهُ (معصيةً)!
ثانيًا: قولُهُ: ((وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ))!
فإنّهُ ظاهرٌ في كونِ (تاركِ الذِّكْرِ والصَّلاةِ عليْهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ) يستحقُّ دخولَ النَّار، وإنْ كانَ مصيرُهُ إلى الجنّةِ ثوابًا على إيمانِهِ!
ثالثًا: قولُهُ: ((إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ!)).
فإنَّ هذا (التّشبيهَ) يقتضي: تقبيحَ عملِهِمْ كلَّ التَّقبيحِ! وما يكونُ ذلكَ -إنْ شاءَ اللهُ تعالى- إلاَّ فيما هو حرامٌ ظاهرُ التَّحريمِ! -والله أعلم-!
فعلى كلِّ (مسلمٍ) أن يتنَبَّهَ لذلكَ! ولا يغفلَ عن ذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصّلاةِ على نبيِّهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، في كلِّ مجلسٍ يَقْعُدُهُ، وإلاَّ كانَ عليْهِ تِرَةً وحسْرَةً يومَ القيامةِ!
قالَ المناويُّ في "فيض القدير":
«فيتأكَّدُ (ذكرُ اللهِ، والصَّلاةُ على رسولِهِ) عندَ إرادةِ القيامِ من المجلسِ.
وتحصلُ (السُّنّةُ) في الذِّكْرِ والصّلاةِ بأيِّ لفظٍ كانَ؛ لكنِ الأكملُ[10] في (الذِّكْرِ):
((سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ وبحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ أنتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إليْكَ))
وفي (الصّلاةِ على النّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) ما في آخرِ (التَّشهُّدِ)» ا.ه‍‍
قلتُ[11]: والذِّكْرُ المشارُ إليْهِ هو المعروفُ ب‍: (كفّارةِ المجلسِ)، وقدْ جاءَ فيهِ عدَّةُ أحاديثَ؛ أذكرُ واحدًا منها؛ هو أتمّها؛ وهو (كفَّارةُ المجلسِ):
((من قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، فَقَالَهَا في مَجْلِسِ ذِكْرٍ؛ كَانَتْ عَلَيْهِ كَالطَّابِعِ يُطْبَعُ عليْهِ، ومَنْ قَالَهَا في مَجْلِسَ لَغْوٍ؛ كَانَتْ كَفَّارَةً لهُ))[12]". انتهى كلامُ الوالدِ، رحمهُ اللهُ تعالى.
بعضُ معاني الرّواياتِ السّابقةِ:
"(أيُّما قَوْمٍ جَلَسُوا، فأَطالُوا الجُلوسَ): وأكثرُوا اللَّغَطَ
(ثمَّ تَفَرَّقُوا قَبْلَ أنْ يَذْكرُوا اللهَ تَعَالَى): بأيِّ صيغةٍ كانتْ من صيغَ الذِّكْرِ
(أوْ يُصَلُّوا على نَبِيِّهِ) محمّدٍ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ كذلكَ.
(كانَتْ عَلَيْهِمْ تِرَةً مِنَ اللهِ): أيْ: نقصٌ وتَبِعَةٌ وحسْرَةٌ وندامَةٌ لِتَفَرُّقِهِمْ ولمْ يأْتوُا بما يُكَفِّرُ لَفْظَهُمْ مِنْ حَمْدِ اللهِ، والصَّلاةِ على نَبِيِّهِ محَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ
(إِنْ شَاءَ): أي: اللهُ
(عَذَّبهُمْ): لِتَرْكِهِمْ كَفَّارَةَ المجْلِسِ
(وإنْ شَاَء غَفَرَ لهُمْ): فضْلاً وطَوْلاً منْهُ تَعَالى، ورحمةً لهُمْ
{إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}[النساء : 48]" ا.ه‍‍[13]
"(مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا): أَيْ: مَجْلِسًا، أَوْ قُعُودًا
(لَمْ يَذْكُرِ اللهُ فِيهِ): أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، أَوْ فِي ذَلِكَ الْجُلُوسِ (كَانَتْ): أَيْ: الْقَعْدَةُ، وَفِي نُسْخَةٍ: (كَانَ)؛ أَيْ: الْقُعُودُ
(عَلَيْهِ): أَيْ: عَلَى الْقَاعِدِ
(مِنَ اللهِ): أَيْ: مِنْ جِهَةِ حُكْمِهِ وَأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ
 (تِرَةٌ): -بِكَسْرِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ-؛ أَيْ: تَبِعَةٌ وَمُعَاتَبَةٌ، أَوْ نُقْصَانٌ وَحَسْرَةٌ، مِنْ وَتَرَهُ حَقَّهُ: نَقَصَهُ، وَهُوَ سَبَبُ الْحَسْرَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}[محمد: 35]
(وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا): أَيْ: مَكَانَ ضِجْعَةٍ وَافْتِرَاشٍ
(لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهِ كَانَتْ): أَيِ: الِاضْطِجَاعَةُ، أَوْ كَانَ أَيِ: الِاضْطِجَاعُ الْمَذْكُورُ، أَوْ عَدَمُ ذِكْرِ اللهِ (عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تِرَةٌ) بالوَجْهَينِ....
ثُمَّ الْمُرَادُ بِذِكْرِ الْمَكَانَيْنِ: اسْتِيعَابُ الْأَمْكِنَةِ؛ كَذِكْرِ الزَّمَانَيْنِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا لِاسْتِيعَابِ الْأَزْمِنَةِ، يَعْنِي: مَنْ فَتَرَ سَاعَةً مِنَ الْأَزْمِنَةِ، وَفِي مَكَانٍ مِنَ الْأَمْكِنَةِ، وَفِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ مِنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ وَرُقُودٍ، كَانَ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ، لِأَنَّهُ ضَيَّعَ عَظِيمَ ثَوَابِ الذِّكْرِ..."ا.ه‍‍[14]
"...حَسْرَةً وندامَةً؛ لأنَّهُمْ قدْ ضَيَّعُوا رَأْسَ مالهِمْ وفَرَّقُوا رِبْحَهُمْ!
وفي هذَا الخبرِ، وما قبْلَهُ أنَّ ذِكْرَ اللهِ، والصَّلاةِ على نبيِّهِ سَبَبٌ لِطِيبِ المجْلِسِ، وأنْ لاَ يَعُودَ على أهْلِهِ حَسْرَةً يومَ القيامةِ" ا.ه‍‍[15]
"(إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ): "أَيْ: مَا يَقُومُونَ قِيَامًا إِلَّا هَذَا الْقِيَامُ، وَضَمَّنَ (قَامُوا) مَعْنَى (تَجَاوَزُوا وَبَعُدُوا)؛ فَعُدِّيَ بِـ (عَنْ). ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. أَيْ: لَا يُوجَدُ مِنْهُمْ قِيَامٌ عَنْ مَجْلِسِهِمْ إِلَّا كَقِيَامِ الْمُتَفَرِّقِينَ عَنْ أَكْلِ الْجِيفَةِ الَّتِي هِيَ غَايَةٌ فِي الْقَذَرِ وَالنَّجَاسَةِ! وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: "وَتَخْصِيصُ جِيفَةِ الْحِمَارِ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ أَدْوَنُ الْجِيَفِ مِنْ بَيْنِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تُخَالِطُنَا" اه‍‍. أَوْ لِكَوْنِهِ أَبْلَدَ الْحَيَوَانَاتِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مُخَالِطًا لِلشَّيْطَانِ، وَلِهَذَا يُتَعَوَّذُ عِنْدَ نَهِيقِهِ؛ بِالرَّحْمَنِ!" ا.ه‍‍[16]
وقيلَ: "لأنَّ ما يجري في ذلكَ المجلسِ من السَّقَطَاتِ والهفواتِ؛ إذا لم يُجْبَرْ بذِكْرِ اللهِ؛ يكونُ كَجِيفَةٍ تَعَافُهَا النَّفْسُ! وتخصيصُ (الحمارِ) بالذِّكْرِ يُشْعِرُ ببلادَةِ أهلِ ذلكَ المجلسِ!" ا.ه‍‍[17]
قالَ العلاّمةُ العثيمين -رحمهُ اللهُ- موضحًا لبعضِ صورِ ذكرِ اللهِ في المجالسِ:
"هَذِهِ ثَلاثَةُ أحاديثَ فِي بَيَانِ آدابِ الْمَجْلِسِ، وَكُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّه ينبغي للإنسانِ إذَا جَلَسَ مَجْلِسًا أَنْ يَغْتَنِمَ ذِكْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلِ، وَالصَّلاَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ؛ حَيْثُ إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّه ((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَعَلَى آلهِ وَسَلَّمَ؛ إلاَّ كَانَ عَلَيهِمْ مِنَ اللهِ تِرَةً))؛ يَعْنِي: قَطِيعَةً وَخسارَةً ((إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرُ لَهُمْ)).
وَيَتَحَقَّقُ ذِكْرُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي الْمَجَالِسِ بِصُوَرِ عَدِيدَةٍ:
فَمَثَلاً: إذَا تَحَدَّثَ أَحَدُ الأشخاصِ في الْمَجْلِسِ عَنْ آيةٍ مِنْ آيَاتِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَإِنَّ هَذَا مِنْ (ذِكْرِ اللهِ).
مِثْلُ أَنْ يقُولَ: نَحْنُ فِي هَذِهِ الأيام فِي دِفْءِ كَأَنَّنَا فِي الرَّبيعِ، وَهَذَا مِنْ آيَاتِ اللهِ؛ لأَنَّنَا فِي الشِّتَاءِ وَفِي أَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنْ أَيَّامِ الشِّتَاءِ بَرْدًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَأَنَّنَا فِي الصَّيفِ؛ فَهَذَا مِنْ آيَاتِ اللهِ!
وَيَقُولُ -مَثَلاً-: لَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ عَلَى أَنْ يُدْفِئُوا هَذَا الْجَوَّ فِي هَذِهِ الأيامِ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ تَكُونَ بَارِدَةً؛ مَا اسْتَطَاعُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً!
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
أَوْ -مَثَلاً-: يَذْكُرُ حالَةً مِنْ أَحَوَالِ النَّبِيِّ عَلَيهِ الصَّلاَةُ وَالسّلامُ؛ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ:
كَانَ النَّبِيُّ عَلَيهِ الصَّلاَةُ وَالسّلامُ أَخْشَى النَّاسِ للهِ، وأتقاهُمْ للهِ؛ فَيَذْكُرَ عَلَيهِ الصَّلاَةُ وَالسّلامُ، ثَمَّ يُصَلِّي عَلَيهِ، وَالْحاضِرُونَ يَكُونُونَ -إذَا اسْتَمَعُوا إِلَيه- مِثْلَهُ فِي الأجْرِ.
هَكَذَا يَكُونُ ذِكْرُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَالصَّلاَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الأصلِ إذَا جَلَسَ قَالَ: "مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ" "لَا إلهَ إلاَّ اللهِ"، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
الْمُهِمُّ أَنَّ الإنسانَ الْعَاقِلَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْرِفَ كَيْفَ يَذْكُرُ اللهَ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ.
وَمِنْ ذَلِكَ -أيضًا- أَنَّه إذَا انْتَهَى الْمَجْلِسُ، وَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ، يقولُ:
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهْدُ أَنْ لَا إلهَ إلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيكِ.
وَفِي هَذِهِ الأحاديثِ الثَّلاثَةِ دَليلٌ عَلَى أَنَّه ينبغِي للإنسانِ أَلاَّ يُفَوِّتَ عَلَيْهِ مَجْلِسًا وَلَا مضْطَجِعًا إلاَّ ويذكرَ اللهَ؛ حَتَّى يَكونَ مِمَّنْ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}[آل عمران: 191]". ا.ه‍[18]
~ ~ ~
أسألُهُ تعالى أن يوفِّقَنَا في مجالسِنَا وكافّةِ أحوالنِا لما يحبِّهُ ويرضاهُ.
وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّمَ.







[1] - {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
[2] - {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].
[3] - رواه التّرمذيّ، وقال عنه الوالد: "صحيح". يُنظر: "سنن التّرمذيّ"، كتاب الدّعوات، بابٌ في القوم يجلسونَ ولا يذكرونَ اللهَ! رقم الحديث: (3380). ويُنظر: "سلسلة الأحاديث الصّحيحة"، الحديث رقم: (74).
[4] - "صحيح الجامع الصّغير"، الحديث رقم: (2735).
[5] - رواه أحمد، وغيره، يُنظر: "سلسلة الأحاديث الصّحيحة"، الحديث رقم: (76).
[6] - رواه أبو داوود في كتاب الأدب، باب: كراهية أن يقوم الرَّجلُ من مجلسه ولا يذكر الله عزَ وجلَ، الحديث رقم: (4855). يُنظر: "سلسلة الأحاديث الصّحيحة"، الحديث رقم: (77).
[7] - رواه أبو داوود في كتاب الأدب، باب: كراهية أن يقوم الرَّجلُ من مجلسه ولا يذكر الله عزَ وجلَ، الحديث رقم: (4856). يُنظر: "سلسلة الأحاديث الصّحيحة"، الحديث رقم: (78).
[8]- رواه أحمد، وقال عنه الوالد: "..وله شاهد من حديث ابن عمرو؛ بلفظ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ، إِلَّا رَأَوْهُ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) " السّلسلة الصّحيحة" الحديث رقم (80).
[9] - وذلكَ في سلسلته الذّهبيّة: "الصّحيحة"، بعد الحديث رقم (80).
[10] - "يقصد -رحمه الله- ب‍ (الأكمل): الذِّكرَ بالمأثور؛ لأنه أفضل من أن يذكر المسلم كلامًا من عنده (بأي لفظ كان)..". أفادتني به شقيقتي: أنيسة (أمّ عبد الله)، جزاها اللهُ خيرًا وحفظهَا.
[11] - أي الوالدُ -رحمه الله-.
[12] - أخرجه الطّبرانيّ وغيره. يُنظر: "سلسلة الأحاديث الصّحيحة"، الحديث رقم: (81).
[13] - "فيض القدير شرح الجامع الصغير"، للمناويّ -رحمه الله-. بشيء من الاختصار.
[14] -  "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"؛ لـ: علي الملاّ القاري -رحمه الله-. مختصرًا.
[15] - "فيض القدير شرح الجامع الصغير"، للمناويّ -رحمه الله-.
[16] -  "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، لعلي الملاّ القاري -رحمه الله-.
[17] -  "فيض القدير شرح الجامع الصغير"، للمناويّ -رحمه الله-.
[18] - "شرح رياض الصالحين" (4/367-368). ملاحظة: صيغ ذكر اللهِ التي أوردها العلاّمة -رحمه الله- إنّما هي على سبيلِ التّمثيل، لا الاِلتزام والحصرِ، فلْيُتَنَبَّه!
~ ~ ~
كتبتْهُ: حسّانة بنت محمّد ناصر الدّين الألبانيّ
الإثنين: 25/ صفر/ 1434ه‍