ما يضاد التوحيد: (الشرك)!..للإمام محمد بن عبد الوهاب


بسم الله الرحمن الرحيم:
ما يضاد التوحيد: (الشرك)!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله...
يتابع الإمام المجدد: (محمد بن عبد الوهاب) ـ رحمه الله ـ؛ في رسالته القيمة: (الرسالة المفيدة)؛ محذرًا المسلم مما قد يقدح في توحيده؛ حيث قال:

"ثم اعلم أن: ضد التوحيد: (الشرك) وهو ثلاثة أنواع:
1ـ شرك أكبر،
2ـ وشرك أصغر،
3ـ وشرك خفي.

1ـ والدليل على الشرك الأكبر؛ قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً}. [النساء: 116].وقال تعالى:
{وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}. [المائدة: 72].

وهو أربعة أنواع:النوع الأول: شرك الدعوة.
والدليل قوله تعالى:
{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}. [العنكبوت: 65].
النوع الثاني: شرك النية والإرادة والقصد.
والدليل قوله تعالى:
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ}{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. [هود: 15و16].
النوع الثالث: شرك الطاعة.
والدليل قوله تعالى:
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}: [التوبة: 31].
وتفسيرها الذي لا إشكال فيه:
طاعة العلماء، والعباد في المعصية؛ لا دعاؤهم إياهم، كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، لعدي بن حاتم لما سأله، فقال: لسنا نعبدهم، فذكر له أن عبادتهم طاعتهم في المعصية.
النوع الرابع:
شرك المحبة.والدليل قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}. [البقرة: 165].

2ـ والنوع الثاني: شرك أصغر، وهو: (الرياء)
والدليل قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}. [الكهف: 110].

3ـ والنوع الثالث: شرك خفي (1).
والدليل قوله صلى الله عليه وسلم:
((الشرك في هذه الأمة؛ أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء في ظلمة الليل)). (2)
وكفارته: قوله صلى الله عليه وسلم:
((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلم، وأستغفرك من الذنب الذي لا أعلم)). (3).
انتهى كلامه؛ رحمه الله ونفع به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): وبعض العلماء أدرج هذا النوع ضمن: الشرك: (الأكبر والأصغر)؛ فاعتبر الشرك (نوعان) فقط. وبراجع لذاك كتب التوحيد وشروحها.
(2) و(3): لم أجد هذا اللفظ؛ وهناك أحاديث بنحوها؛ ولكن ضعفها والدنا ـ رحمه الله تعالى ـ؛ إلا أنه ذكر شواهد؛ ومنها:
ـ ((الشِّرْكُ أَخْفَى في أُمَّتِي مِنْ دَبِيْبِ الذَّرِّ عَلَى الصَّفَا...)) إلخ.
ولهذا ينظر: [سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ رقم الحديث: (3755)]
ـ ومما صح ؛ قوله عليه الصلاة والسلام:
((الشِّرْكُ في هَذِهِ الأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيْبِ النَّمْلِ)).
انظر: [كتاب: "الإيمان" لابن تيمية؛ بتحقيق الإمام: الألباني ـ رحمه الله ـ].
ـ وفي: "صحيح الأدب المفرد":
عن معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ((يا أبا بكر! للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل))!
فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلهاً آخر؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
((والذي نفسي بيده! للشرك أخفى من دبيب النمل! ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟)).
قال: ((قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)).
ـ وفي: "صحيح الجامع الصغير":
((الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل! وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره؛ تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، تقولها ثلاث مرات)). رقم الحديث: (3625).
ـ وفي: "صحيح الترغيب والترهيب"، رقم الحديث: (36):
عن أبي علي ـ رجل من بني كاهل ـ قال: خَطَبَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ؛ فَقَالَ:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ! فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ)!
فَقَامَ إِلَيْهِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ حَزْنٍ، وَقَيْسُ بْنُ المُضَارِبِ؛ فَقَالاَ:
(وَاللهِ لَتَخْرُجَنَّ مِمَّا قُلْتَ، أَوْ لَنَأْتِيَنَّ عُمَرَ مَأْذُونًا لَنَا أَوْ غَيْرُ مَأْذُونٍ)
قَالَ: بَلْ أَخْرُجُ مِمَّا قُلْتُ؛ خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ؛ فَقَالَ:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ! فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ)).
فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ:
(وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ؛ يَا رَسُولَ اللهِ؟!)؛ قَالَ:
((قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ نَعْلَمُه)).
ونمتثل أمر نبينا عليه الصلاة والسلام:
اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.