الغلوُّ في (كمْ)، والزّهدُ في (كيف)!

 بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ

من يهدِهِ اللهُ فلَا مضلَّ لهُ

ومن يُضللْ فلَا هاديَ لهُ

وأشهدُ أنْ لَا إلَٰهَ إلَّا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأنَّ محمَّدًا عبْدُهُ ورسولُهُ أمَّا بعدُ...

• قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ:

{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)} [آل عمران]

وقالَ سُبحانهُ: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)] [الـمُلك]

 

• وفي خطبةِ الحاجةِ عنْهُ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ:

((وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ))! [صحيح مسلم]

 

• قَالَ الفُضَيلُ بْنُ عِيَاضٍ:

"{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ.

فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ خَالِصًا ولَمْ يَكُنْ صَوَابًا؛ لَمْ يُقْبَلْ.

وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا؛ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّىٰ يَكُونَ خَالِصًا.

وَالخَالِصُ؛ إِذَا كَانَ للهِ.

وَالصَّوَابُ؛ إِذَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ" اهـ‍."حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (8/ 95)  .

 

• قالَ والدي -رحمةُ اللهِ عليهِ-:

"تُريدُ أنْ تتقَرَّبَ إلى اللهِ؟ تتقَرَّبُ إلى اللهِ بما شرَعَ اللهُ، وفي حُدُودِ ما سَنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؛ سواءٌ مِنَ الأُصُولِ والقواعدِ، أوِ الأحكامِ والفروعِ" اهـ‍ بتصرُّفٍ يسيرٍ جدًّا. "سلسلة الهدىٰ والنّور" (شريط: 1099، د 12 وثا 56).

 

  ومنَ الأمورِ الملموسةِ في عباداتِنا: العنايةُ بـ(الكمِّ) فقطْ، وإهمالُ الـ(كيفِ)!

مثلُ ماذا؟

مثلُ عباداتِنا في شهرِ رمضانَ المباركِ، الذي يكثُرُ فيهِ:

"كم ركعةٍ سنصلِّي في القيام؟"

"كم ختمةٍ سنختم؟"

"كم ساعةٍ سنصوم؟"

كمْ؟..,وكمْ؟..

شهرُ رمضانَ المباركَ، الذي أشدُّ ما نحتاجُ فيه أن نَتْبَعَ نبيَّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، حتى نحقِّقَ قولَهُ عليهِ الصّلاةُ والسلامُ:

((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).

((وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).

وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)). [متَفقٌ عليه]

فهذِهِ الأجورُ العظيمةُ، لا يُمكنُ لعاقلٍ إلَّا أنْ يعتقدَ أنَّها لا تتأتَّى -بتوفيقٍ من اللهِ- إلَّا باتّباعهِ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ.

ولكنْ ممَّا يُرى في هذا الشّهرِ المباركِ، ضعفَ العنايةِ بـ(كيفَ نصومُ على السُّنّةِ)؟

فكمْ منْ مصلٍّ للقيامِ؛ ولكنَّ عنايتَهُ قاصرةٌ على: بـ (كم ركعةٍ قمتُ اللّيل)

أمَّا (كيفَ قمتُ)؟..

كيفَ استيقظَ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ ونظرَ إلى السّماءِ وقرآ أواخرَ سورةِ آلِ عمرانَ قبلَ القيام؟

كيفَ نوَّعَ في أدعيةِ الاستفتاحِ؟

كيفَ أطالَ  ركوعَه.. سجودَه؟

كيفَ يقفُ عند آياتِ الرّحمةِ وآياتِ العذابِ؟

وكيف وكيف؟..

 

ثمَّ لنذهب إلى حالِنا معَ (ختماتِ القرآنِ الكريمِ في رمضان)

همُّنا: كمْ ختمةٍ سأختمُ؟

وحسنٌ هذا الحرصُ على تلاوةِ القرآنِ؛ فهذا آكدُ في (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة : 185]

أمَّا كيفَ كان عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ يقرأُ القرآنَ الكريمَ؟

كيفَ كان يقفُ على رؤوسِ الآياتِ؟

كيفَ كانَ لا يعجلُ عليهِ؟

كيفَ كان يتدبَّرُ؟

كيفَ كانَ يتأوّلُ القرآنَ؟

فأينَ كلُّ هذا معَ من يقرأُ القرآنِ هذًّا بسرعةٍ؛ ليختمَ في كلِّ يومٍ ختمةً؟

هل وصْلُ الآياتِ ببعضِها -حتَّى تصبحَ السّورةُ كاملةً كأنَّها آيةٌ واحدةٌ!- فيهِ اتّباعٌ للنّبيِّ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ؟!

هل ختمُهُ بيومٍ فيهِ متابعةٌ للنّبيِّ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ؟!

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ؛ لَمْ يَفْقَهْهُ))!

قالَ والدي -رحمَهُ اللهُ- في "سلسلة الأحاديث الصّحيحة"، تحتَ الحديثِ رقم (2466):

"ولَا يُشْكِلُ -على هَذا- ما ثبتَ عنْ بعضِ السَّلفِ ممَّا هو خلَافُ هذِهِ السُّنَّةِ الصَّحيحةِ؛، فإنَّ الظَّاهرَ أنَّها لمْ تبلُغْهُمْ" اهـ

اللَّهمَّ! أعنَّا على ذكرِكَ وشكرِكَ وحُسنِ عبادتِكَ.

وصلَّى اللَّهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّمَ.

كتبتْهُ: حسَّانةُ بنتُ محمَّدٍ ناصرِ الدِّينِ بْنِ نوحٍ الألبانيّ

الأربعاء 12 رمضان 1443هـ‍‍‍‍‍