في هَذا الحديثِ تفْضيلُ (ذاتِ الدِّيْن) منَ النِّساءِ على غَيرِها... لِابن هُبيرَةَ رحمَهُ الله



بسم الله الرّحمن الرّحيم

= جاءَ في كتابِ "الإفْصَاح عَنْ مَعَاني الصِّحَاح"، لِابْن هُبَيْرَةَ -رحمَهُ اللهُ-:
"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عنِ النّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ:
((تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَات الدِّيْنِ؛ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) (1).
في هَذا الحديثِ تفضيلُ (ذاتِ الدِّيْن) -من النِّساء- على غيرِها.
- وقولُه: إنَّ ((المرأةَ تُنْكَحُ لِـمالِها، ولحسَبِها، وجمالِها، ودينِها)):
فإنَّهُ لم يأمُرْ أنْ تُنْكَحَ المرأةُ لِـمالِها فحسْب، غيرَ أنَّ هذا اختارَ منهُ أنّهُ قدْ يُقْصَد، ولكنْ ليسَ بالجيِّد ولَا بالأفْضَل، فلمَّا وصلَ بـ(ذاتِ الدِّينِ)؛ أمرَ ثُمَّ حضَّ، وسمَّاهُ:  (ظَفْرًا)، و(الظَّفْرُ) لَا يُشْتَمَلُ إلَّا عندَ:
- كشفِ شدَّةٍ،
- وإدْرَاكِ مطْلَبٍ سَنِيٍّ.

• وقولُه: ((بِذَاتِ الدِّينِ)): -بالألِفِ واللَّام-؛ يعني بهِ:
- الدِّينُ المعْروف.
- وأنْ تكونَ مشْهُورةً بِه.

• وقولُه: ((تَرِبَتْ يَدَاكَ)):
لفظُهُ لفظُ الدُّعَاءِ، وليسَ المرادَ بهِ الدُّعَاءُ، إلَّا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ (للبَعْثِ والحضِّ والإِغْرَاء).

• ومنْ مفهومِ هَذا الحديثِ: 
أنَّ المرأةَ إذا نُكِحَتْ لِـمَالها؛ كانَ ذَلكَ قدْحًا في معنى (المروءةِ)؛ من جهةِ أنَّ اللهَ -تعالى- جعلَ الرَّجُلَ هو المنْفِقُ على المرأةِ؛ فقالَ تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[النساء: 34].

• فمن تزوَّجَ المرأةَ (لِـمَالها)؛ فكأنَّهُ قلَبَ ما خُلِقَ لهُ إلى المرأةِ، ورضيَ بالمقامِ الأدْنى.
فأمَّا التي تُنْكَحُ (لجَمَالِها)؛ فإنَّ (الجمالَ) بانفرادِهِ من غيرِ (دِيْنِ)؛ يكون مُجْسِرًا لها على الصَّلَفِ (2)؛ فلَا يُفِيدُ إلَّا أنْ يُضَمَّ إليهِ (الدِّيْنُ)؛ بلْ يكونُ بليَّةً!
وكذلكَ (الحسَبُ)؛ فإنَّها تفتَخِرُ عليْهِ، وتَتَطاوَلُ، كمَا جَرَى، لَا سِيَّما بنتُ الجَونِ الكِنْدِيَّةِ (3) في قولِها للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وهلْ تهبُ المرأةُ نفسَها للسُّوقَةِ؟!"(4)، فشَقِيَتْ بذَلك.
فلَا يَسْعَدُ الرَّجُلُ بذَلك؛ إلَّا بصُحْبَةِ (ذاتِ الدِّيْن)". انتهى بتصرف يسير جدًّا.
(ص: 276-277)، ط 1417هـ‍،  تحقيق: فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الوطن.
- - -
(1) متّفق عليه.
(2) التّكبُّر.
(3) يُنظر قصَّتُها في "صحيح البخاري"، (5255).
(4) "السُّوقةُ مِنَ النَّاسِ: الرَّعِيَّةُ ومَنْ دُونَ الملِك، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَظُنُّونَ أَن السُّوقة أَهل الأَسْواق. والسُّوقَة مِنَ النَّاسِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَا سُلْطان، الذَّكَرُ والأُنثى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ" اهـ‍. ["لسان العرب"، (10/ 170)].