اِخْتِيارَاتُ العبْدِ المُسْلِم



اِخْتِيارَاتُ العبْدِ المُسْلِم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:
فلمَّا كانَ (المسلمُ) يضعُ نُصْبَ عينيهِ (رضا ربِّهِ سبحانَهُ)؛ كانَ ذلكَ سببًا مؤثِّرًا على جميعِ جوانبِ حياتِهِ؛ ومنها: (اختياراتُه). 
ولمَّا كان (المسلمُ) تقفُ أمامَهُ أمورٌ قدْ أعطاهُ اللهُ القدرةَ على الِاختيارِ فيها؛ كانَ حريًّا بهِ أنْ يتفطَّنَ إلى أنَّ (اختيارَهُ) إنَّما هو (عبادةٌ)، يتقرَّبُ بهِ إلى ربِّهِ؛ فيُسارِعُ إلى اخْتيارِ الأنفعِ لهُ في آخرتِهِ ودُنياه.
وسَآتي عَلى بعضِ الخَياراتِ -عَلى سبيلِ المثالِ لَا الحصْر-:
1- اختيارُ المُعلِّم:
عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ؛ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ".
[رَواهُ مُسْلِمٌ في مقدِّمة "صحِيحِهِ"].

2- اختيارُ الصَّاحِب:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ)).
[رواه التّرمذيُّ وغيرُهُ، وحسَّنَهُ والدي -رحمَهما اللهُ-. "مشكاة المصابيح"، 5019 -[17]].

3- اختيارُ الزّوج:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ؛ فَزَوِّجُوهُ)). الحديث.
[رواهُ التّرمذيُّ، وحسَّنَهُ والدي -رحمَهما الله-. "مشكاة المصابيح"، 3090 -[11]].

4- اختيارُ الزّوجة:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّين تَرِبَتْ يداكَ)).
[متّفقٌ عليه].
ويجمعُ بين (3 و4) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ)).
[رواهُ ابن ماجه، وحسَّنَهُ والدي -رحمَهما اللهُ-. "الصحيحة"، (1067)].
وقالَ والدي في نهايةِ تحقيقهِ: "ولكنْ يجبْ أن نَعْلَمَ أنَّ الكفاءةَ إنَّما هيَ في: الدِّين والخُلُقِ فقطْ" اهـ‍

5- اختيارُ الأسماء:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ: عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ))
[صحيح مسلم، 2 - (2132)]
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمَّيْتُ ابْنَتِي بَرَّةَ؛
فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَذَا الِاسْمِ، وَسُمِّيتُ بَرَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ)).
فَقَالُوا: بِمَ نُسَمِّيهَا؟
قَالَ: ((سَمُّوهَا زَيْنَبَ)).
["صحيح مسلم"، 19 - (2142)]

6- اختيارُ أحدِ أمْرين:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ أَنَّهَا قَالَتْ:
(مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ؛ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا؛ مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ).
[متّفقٌ عليه].
وفي حديثٍ لها، رضيَ اللهُ عنها: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى االلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا خُيِّرَ عَمَّارٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ؛ إِلَّا اخْتَارَ أَرْشَدَهُمَا)).
[رواهُ التّرمذيُّ وغيرُهُ، وصحَّحهُ والدي -رحمَهما اللهُ-. "الصّحيحة"، (835)].

7- اختيارُ العملِ الفاضِلِ على العملِ المفضول:
ففي الحديثِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ؛ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ،
وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ؛ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ،
وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ؛ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ،
وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ؛ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي)).
[رواهُ ابنُ خُزيمةَ، وقالَ عنْهُ الوالدُ: "حسن لغيره" اهـ‍. "صحيح التّرغيب والتّرهيب"، 340 - (1)].

8- اخْتيارُ الصّبْر على بلَاءِ الدُّنيا لأجلِ ثوابِ الآخِرة:
عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ:
قَالَ لي ابْن عَبَّاس رَضِي اللهُ عَنهُ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً منْ أهْلِ الجنَّة؟
فَقلتُ: بَلَى.
قَالَ: هَذِهِ الـمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ؛ أَتَتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ:
إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أتكشَّفُ؛ فَادعُ اللهَ -تَعَالَى- لي.
قَالَ: ((إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْت اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَكَ))
فَقَالَتْ: أَصْبِرُ.
فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ؛ فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ.
فَدَعَا لَهَا.
[متّفقٌ عليهِ]

9- اختيارُ الدّار الآخرةِ على الدّنْيا:
قالَ سُبحانَهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28)}{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً(29)}[الأحزاب]
قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:
((يَا عَائِشَةُ! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ)).
قَالَتْ: (وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!)
فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ.
قَالَتْ: (أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟! بَلْ أَخْتَارُ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ). الحديث.
[متّفقٌ عليهِ].

- فهكذا؛ كلَّما عرضَ لِلْمُسلمِ أمرٌ لَهُ أنْ يختارَ فيه، (اختيارُ عَمَلِهِ، اختيارُ لِباسِهِ، اختيارُ كتابِهِ، اختيارُ وجهةِ سَفَرِهِ...إلخ)؛ انْتَبَهَ وتعقَّلَ، وتذكَّرَ أنَّ مُستَنَدَهُ ومُرْشِدَهُ إلى السَّدادِ فيه؛ إنَّما هوَ شرعُ ربِّهِ:
فاسْتَحْضَرَ عبوديَّتَهُ لله
وأخلصَ وُجْهَتَهُ لله
واتَّجَهَ باخْتِيارِهِ إلى الأفضَلِ والأكمَلِ في دينِهِ ودُنياهُ
واجْتَهَدَ واصْطَفَى لِنَفْسِهِ ما يصْدُقُ مَعَهُ ولَاؤُهُ لخالِقِه، واسْتِسْلَامُهُ لرَبِّهِ، وعَمَلُهُ بشريعةِ نبيِّهِ، فيجْني من خياراتِهِ؛ ثمارَ الِاطْمئنانِ في الدّنيا، والثّوابَ في الآخِرة.
وباللهِ التّوفيق.
وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلَّمَ.
كَتَبَتْهُ: حَسَّانَةُ بنتُ مُحَمَّدٍ ناصرِ الدِّين الألبانيّ
السّبت 7 شوّال 1438هـ‍