ممّا وردَ في التّرغيبِ في الزُّهْدِ!
بسمِ اللهِ، والحمدُ للهِ؛ والصّلاة ُوالسّلامُ على رسولِ اللهِ؛ أمّا بعدُ:
فمنَ الآثارِ الواردة ِفي التّرغيبِ في (الزّهدِ):
ما جاءَ عن ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهمَا؛ أنّه قالَ:
(لا يصيبُ عبدٌ مِنَ الدُّنيَا شيئًا إلاَّ نَقَصَ مِنْ دَرَجَاتِهِ عِنْدَ اللهِ؛ وإنْ كانَ عَلَيهِ كرِيمًا)! (1)
وليتضّح لنا مدلولُ هذا الأثرِ؛ نقفُ على بعضِ أقوالِ الرّاسخين َفي العلمِ:
¡ قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ:
"والمقتصد منهم؛ أخذَ الدُّنيا مِنْ وجوهها المباحَةِ، وأدَّى واجباتها، وأمسك لنفسه الزَّائِدَ على الواجب، يتوسَّعُ به في التمتُّع بشهواتِ الدُّنيا، وهؤلاءِ قدِ اختُلف في دخولهم في اسم (الزَّهادَةِ) في الدُّنيا كما سبق ذكره، ولا عقاب عليهم في ذلك؛ إلاَّ أنَّه ينقصُ من درجاتهم من الآخرة بقدر توسُّعهم في الدُّنيا! قال ابن عمر:
(لا يصيبُ عبدٌ مِنَ الدُّنيا شيئاً إلاَّ نقص من درجاته عند الله، وإنْ كان عليه كريمًا)! ". ا.هـ (2)
¡ وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في سياق شرحه لأثر أنس بن مالك رضي الله عنه: (لَمْ يَأْكُلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ حَتَّى مَاتَ! وَمَا أَكَلَ خُبْزًا مُرَقَّقًا حَتَّى مَاتَ)!:
"وَحَاصِله أَنَّ الْخَبَر لاَ يَدُلّ عَلَى تَفْضِيل الْفَقْر عَلَى الْغِنَى؛ بَلْ يَدُلّ عَلَى فَضْل الْقَنَاعَة وَالْكَفَاف، وَعَدَم التَّبَسُّط فِي مَلاَذّ الدُّنْيَا، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث اِبْن عُمَر:
(لاَ يُصِيب عَبْدٌ مِنْ الدُّنْيَا شَيْئًا إِلاَّ نَقَصَ مِنْ دَرَجَاته، وَإِنْ كَانَ عِنْد اللَّه كَرِيمًا)..." ا.هـ (3)
¡ وذكر ابن بطّال ـ رحمه الله ـ خلال شرحه لصحيح البخاريّ:
"وترْكُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الأكلَ على الخِوَانِ، وأكْلِ المرَقَّقِ؛ فإنَّمَا فَعَلَ ذلكَ كأنَّهُ رفْعُ الطَّيِّباتِ للحيَاةِ الدَّائِمَةِ فى الآخِرَةِ، ولمْ يرْضَ أنْ يَسْتَعْجِلَ فى الدُّنْيَا الفَانِيَةِ شيئًا منْهَا أَخْذًا منْهُ بأفْضَلِ الدَّارَينِ! وكانَ قَدْ خَيَّرَهُ اللهُ بينَ أنْ يكونَ نبيًّا عبدًا، أو نبيًّا ملِكًا؛ فأختارَ عبدًا؛ فلزِمَه أنْ يفِيَ اللهَ بما اختارَهُ، والمالُ إنَّما يُرْغَبُ فيهِ مع مقَارَنَةِ الدِّينِ لِيُسْتَعَانَ بِِهِ علَى الآخِرَةِ، والنَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قدْ غُفِرَ لَهُ ما تقَدَّمَ من ذنْبِهِ وما تَأَخَّرَ؛ فلَمْ يُحْتَجْ إلى المالِ منْ هذِهِ الوُجُوهِ، وكانَ قَدْ ضَمِنَ اللهُ لهُ رزقَهُ بقولِهِ: {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].". ا.هـ
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(1) قال عنه المنذريّ: "رواه ابن أبي الدّنيا، وإسناده جيّد، وروي عن عائشة مرفوعًا، والموقوف أصحّ"، وصحّحه الوالد ـ رحمهم الله أجمعين ـ؛ انظر: "صحيح التّرغيب والتّرهيب"؛ رقم الحديث: (3220).
(2) في كتابه: "جامع العلوم والحكم"؛ في سياق شرحه للحديث ـ الصّحيح ـ: ((ازهد في الدُّنيا يحبُّكَ اللهُ، وازْهدْ فيمَا في أيدِي النّاسِ يُحبُّكَ النّاسُ)).
(3) "صحيح البخاري"؛ كتاب الرّقاق/ باب فضل الفقر/ رقم الحديث: (5386).
السّبت/ 5/ محرّم/ 1432هـ