أهميّةُ إتقانِ
التّجويدِ في عِلْمِ القِراءات
بسمِ
اللهِ الرّحمن الرّحيم
إنَّ
الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ
منْ
يهدِهِ اللهُ فلَا مضلَّ لهُ
ومنْ
يُضللْ فلَا هاديَ لهُ
وأشهدُ
أنْ لَا إلَٰهَ إلَّا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأنَّ محمَّدًا عبْدُهُ ورسولُهُ
أمَّا
بعدُ:
•
قالَ ربُّنا تباركَ وتعالى:
{وَقُل
رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه : 114]
وقالَ
سبحانَهُ:
{إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحِجْر : 9]
• مِنْ نِعَمِ اللهِ التي يمُنُّ بها على بعضِ عبادِهِ: (الانكبابُ
على تعلُّمِ علومِ القرآنِ الكريمِ)؛ ومنها: (عِلْمُ القراءاتِ)؛ هذا العِلْمُ
الحبيبُ العزيزُ الذي يجعلُ طالِبَهُ في جنَّةٍ على الأرضِ؛ كيفَ لَا وهوَ
يتعلَّمُ ويُردِّدُ ما أنزلَهُ اللهُ على نبيِّهِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ
وعلى آلِهِ وسلَّمَ، بعدِّةِ أوجهٍ!
ولكنْ؛
هذا العلمُ يحتاجُ إلى دقَّةٍ وإتقانٍ في أداءِ الأوجهِ المختَلَفِ فيها بين القرّاءِ،
بل حتَّى بينَ الأوجهِ المختَلَفِ فيها للرّاوي الواحدِ للقارئِ الواحدِ، وذلكَ
لأنَّ أيَّ خللٍ في أداءِ الوجهِ، قدْ يجعلُ السّامعَ يقعُ في الآتي:
1-
لَا يفهمُ ما هوَ وجهُ الخلَافِ؟
2-
لَا يُميِّزُ بينَ الأوجهِ بشكلٍ دقيقٍ.
3-
لَا يستطيعُ أنْ يَنسِبَ وجهَ الأداءِ للرّاوي على الوجْهِ الصّحيح.
4-
لَا يستطيعُ أن يضبطَ الأداءَ الصّحيحَ المتقنَ.
ومِنْ
هنا، كان لَا بدَّ لـ (طالبي عِلْمِ القراءاتِ) مِنْ إتقانِ جميعِ أحكامِ
التّجويدِ بلْ وحفظِها نظريًّا، وعندها يرتفعونَ إلى تعلُّمِ (القراءاتِ) بشكلٍ يُسَهِّلُ
عليهمْ وعلى مَنْ يُعلِّمُهُمْ.
•
كلُّ ما سبقَ أمرٌ نظريٌّ، وسآتي إلى العمليِّ الذي لأجلِهِ كتبتُ هذا الموضوعَ:
ولنأخذْ
أمثلةً:
1-
حكمُ اجتماعِ الهمزتينِ المتّفقتينِ في الحركةِ في كلمتين:
نحو:
{السَّمَاءِ إِن} [الشّعراء : 187]
فهمزةُ
{السَّمَاءِ} تُسهَّلُ عندَ (قالون) بينما همزةُ (إِنْ) تُحقَّقُ.
فإنْ
لمْ نتقنْ (تسهيلَ) همزةِ {السَّمَاءِ}، ولمْ نتقنْ تحقيقَ همزةِ (إِنْ)، لاختلطتِ
الهمزتَينِ ببعضِهما؛ ولمْ يتبيَّنْ لنا الأداءُ الصّحيحُ لقالون.
2-
حكمُ (الياءِ) في كلمةِ (يا بُنيَّ):
في قولِهِ تعالى:
{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان : 13]
في
هذا الموضعِ قرأَها (قالونُ) بتشديدِ الياءِ معَ الكسرِ: {يَا بُنَيِّ}.
بينما
قرأَها (ابنُ كثيرٍ) بياءٍ واحدةٍ -مخفَّفةٍ غيرِ مشدَّدةٍ- ساكنةٍ: {يَا بُنَيْ}.
والذي
يُسمعُ أحيانًا -منَ البعضِ- أنَّهُمْ يُشدّدونَ ياءَها عندَ القراءةِ لابنِ كثيرٍ؛
وبذلكَ اخْتلطتِ الأمورُ؛ حتَّى يظنَّ السّامعُ أنَّهُ هو منْ أخطأَ السّمعَ، أو
أنَّ المعلومةَ عندهُ خاطئةٌ!
ومِنْ
جهةٍ ثانيةٍ:
فكلمةُ
( يا بُنيَّ) في قولِهِ تعالى:
{يَا
بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} [لقمان : 17]
فيها
خلَافٌ بينَ رواةِ القارئِ الواحدِ:
فـ
(البزّي) قرأَها بياءٍ مشدَّدةٍ مفتوحةٍ {يَا بُنَيَّ}.
بينما
قرأها (قنبل) بياءٍ واحدةٍ -مخفَّفةٍ غيرِ مشدَّدةٍ- ساكنةٍ: {يَا بُنَيْ}.
فإنْ
لمْ نتقنْ أداءَها، فكيفَ سنميِّزُ بينَ راويَيِ القارئِ (ابنِ كثيرٍ)؟!
3-
أداءُ كلمةِ {اتَّخَذْتُمُ} [البقرة : 51]
بعضُ
القرّاءِ قرأَها بـ (إظهارِ الذَال): {اتَّخَذْتُمُ}.
وبعضُهُم
بـ (إدغامِها في التّاء): {اتَّخَذتُّمُ}.
فإنْ
لمْ نتقنْ إظهارَها -بمخرجِها وصفاتِها- عندَ القراءةِ بروايةِ منْ أظهرَها؛ لسُمِعَتْ
كأنّها مدغمةً.
4-
أداءُ كلمةِ {الْبُيُوتَ}[البقرة : 189]
بعضُ
القرّاءِ قرأَها بـ (ضمِّ الباء): {الْبُيُوتَ}.
وبعضُهُمْ
بـ (كسرِها): {الْبِيُوتَ}.
فإنْ
لمْ نتقنْ إتمامَ الضّمّةِ، وإتمامَ الكسرةٍ، فلن يُسمعُ الأداءُ على الوجْهِ
الصّحيح.
•
وهكذا الكثيرُ والعديدُ من الأمثلةِ في القرآن الكريمِ؛ التي يقفُ عليها طالبي هذا
العلمِ النّفيسِ العزيزِ، ويستشعرونَ مِنْ خلَالِها أنَّ:
-- ميدانَ تعلُّمِ القراءاتِ لَا يُدْخَلُ إلَّا بزادِ إتقانِ التّجويدِ.
- كمْ ينبغي لمن (يُجيزونَ) طلَّابَهُمْ أنْ يُدركوا عِظَمَ الأمانةِ التي حملُوها
على عاتقهِمْ، ولَا يقبلونَ لهُمْ أنصافَ الحلولِ: (نصفُ تفخيمٍ! نصفُ إتمامٍ! نصفُ
تشديدٍ!...إلخ).
فالقراءةُ
سُنَّةُ متَّبعةٌ؛ والإجازةُ أمانةٌ وقدوةٌ!
سبحانكَ
لَا عِلْمَ لنا إلَّا ما علَّمْتنا إنّكَ أنتَ العليمُ الحكيم.
وصلِّ
اللّهُمَّ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وسلِّمْ.
كتبتْهُ:
حسَّانةُ بنتُ محمَّدٍ ناصرِ الدّينِ الألبانيّ
الثّلاثاء
7 جمادى الأُوْلى 1442 هـ.