لَيْلَةُ القَدْر.. لَيلَةُ الحُكْم!



لَيْلَةُ القَدْر.. لَيلَةُ الحُكْم!

بسمِ اللهِ الرَّحمَٰنِ الرَّحِيم...
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسّلامُ علىٰ خاتَمِ الأنبياءِ والمرسلين، وبعدُ:
• قالَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- في مطلَعِ سورةِ ((الدُّخان)):
{حم}{وَالْكِتابِ الْمُبِينِ}{إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}{فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}
{أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}{رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
• وقالَ سُبحانَهُ وتعالىٰ في سورةِ ((القَدْرِ)):
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}{سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}

• جاءَ في تفسيرِ الإمامِ الطّبريِّ -رحمَهُ اللهُ-:
"يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي (لَيْلَةِ الْقَدْرِ)؛ وَهِيَ (لَيْلَةُ الْحُكْمِ)! الَّتِي يَقْضِي اللهُ فِيهَا قَضَاءَ السَّنَةِ!.." اهـ‍

• وفي تفسير الإمامِ القرطبيِّ -رحمَهُ اللهُ-:  
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}؛ قَالَ مُجَاهِدٌ: فِي (لَيْلَةِ الْحُكْمِ)!
{وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، قَالَ: (لَيْلَةُ الْحُكْمِ)!
وَالْمَعْنَىٰ: (لَيْلَةُ التَّقْدِيرِ)!
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يُقَدِّرُ فِيهَا مَا يَشَاءُ مِنْ أَمْرِهِ، إِلَى مِثْلِهَا مِنَ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، مِنْ أَمْرِ الْمَوْتِ وَالْأَجَلِ وَالرِّزْقِ وَغَيْرِهِ، وَيُسَلِّمُهُ إِلَى مُدَبِّرَاتِ الْأُمُورِ، وَهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: إِسْرَافِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَ[عِزْرَائِيلُ]*، وَجِبْرِيلُ. عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يُكْتَبُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ وَمَطَرٍ وَحَيَاةٍ وَمَوْتٍ، حَتَّى الْحَاجِّ!
قَالَ عِكْرِمَةُ: يُكْتَبُ حَاجُّ بَيْتِ اللهِ تَعَالَىٰ فِي (لَيْلَةِ الْقَدْرِ) بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ أَبَائِهِمْ! مَا يُغَادَرُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَا يُزَادُ فِيهِمْ!" اهـ‍
* تنبيهٌ: هَذا الاسْمِ ضعَّفَهُ بعضُ أهلُ العلمِ، قالَ الوالدُ رحمَهُ اللهُ، في كتابِهِ: "أحكام الجنائز": "قلتُ: هَٰذا هُو اسْمُهُ في الكتابِ والسُّنَّة: (ملَكُ الموْت)، وأمَّا تسميتُهُ بـ(عِزْرَائِيلَ) فممَّا لا أصْلَ لَه! خِلافًا لمَا هُو المشْهُورُ عندَ النَّاسِ، ولعلَّهُ منَ الاسْرَائيليَّات!" اهـ‍

• تفسير الإمامِ البغويِّ -رحمَهُ اللهُ-:
"{فِيهَا}؛ أَيْ: فِي اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ
{يُفْرَقُ}؛ يُفْصَلُ!
{كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}؛ مُحْكَمٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَكْتُبُ مِنْ (أُمِّ الْكِتَابِ) فِي (لَيْلَةِ الْقَدْرِ) مَا هُوَ كَائِنٌ فِي السَّنَةِ؛ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ؛ حَتَّى الْحُجَّاجِ! يُقَالُ: يَحُجُّ فُلَانٌ، وَيَحُجُّ فُلَانٌ!
قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يُبْرَمُ فِي (لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فِي (شَهْرِ رَمَضَانَ) كُلُّ أَجَلٍ وَعَمَلٍ وَخَلْقٍ وَرِزْقٍ، وَمَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ!" اهـ‍

• وتفسير العلَّامةِ السَّعديِّ -رحمَهُ اللهُ-:
"{يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}؛ أي: (يُفْصَلُ) و(يُميَّزُ) و(يُكْتَبُ) كلُّ أمْرٍ قدَرَيٍّ وشرْعيٍّ حكَمَ اللهُ بهِ، وهَٰذِهِ الكتابةُ والفُرقانُ، الذِي يكُونُ في (ليلةِ القدْرِ) أحدُ  الكتاباتِ التي تُكتَبُ وتميَّزُ، فتُطَابِقُ (الكتابَ الأوَّلَ)! الذي كتبَ اللهُ بهِ مقاديرَ الخلائقِ، وآجالَهمْ وأرزاقَهمْ، وأعمالَهمْ، وأحوالَهمْ!
ثمَّ إنَّ اللهَ -تعالىٰ- قد وكَّلَ ملائكةً تكتُبُ ما سيجْرِي على العبْدِ وهوَ في بطْنِ أمِّهِ، ثم وكَّلَهُم بعدَ وجُودِهِ إلى الدُّنيا وكَّلَ بهِ كرامًا كاتبينَ؛ يكتبُونَ ويحفظُونَ عليهِ أعمالَهُ، ثمَّ إنَّهُ -تعالىٰ- يُقدِّرُ في (ليلةِ القدْرِ) ما يكونُ في السَّنَةِ! وكُلُّ هَٰذا من تمامِ علْمِهِ، وكمالِ حكْمَتِهِ، وإتقانِ حفْظِهِ، واعتنائِهِ -تعالىٰ- بخلقِهِ!" اهـ‍

• من "مجموع فتاوى ورسائلِ العلَّامةِ العُثيمينَ"* -رحمَهُ اللهُ-:
"{الْقَدْرُ}:
- بمعنَى:  الشَّرفِ والتَّعظيم!
- أوْ بمعنى: التَّقديرِ والقضاءِ!
لأنَّ (ليلةَ القدْرِ) شريفةٌ عظيمةٌ؛ يُقدِّرُ اللهُ فيها ما يكونُ في السَّنةِ، ويقضيهِ من أمورِهِ الحكيمةِ!
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}؛ يعني: في الفضْلِ والشَّرفِ وكثرةِ الثَّوابِ والأجْر!
ولذَٰلكَ؛ كانَ مَنْ قامَهَا (إيمانًا واحْتِسابًا؛ غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه)!
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا}: (الملائكةُ) عبادٌ من عبادِ اللهِ، قائمونَ بعبادتِهِ ليلًا ونهارًا {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ}{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}؛ يتنَزَّلُونَ في (ليلةِ القَدْرِ) إلى الأرضِ بالخيرِ والبركةِ والرَّحمَة!
{وَالرُّوحُ}: هوَ (جبريلُ) عليهِ السَّلامُ، خصَّه بالذِّكْرِ لشرفِهِ وفضلِه!
{سَلَامٌ هِيَ}: يعني أنَّ (ليلةَ القَدْرِ) ليلةُ سلامٍ للمؤمنينَ مِنْ كُلِّ مُخَوِّفٍ؛ لكثرةِ من يُعتَقُ فيها من النَّارِ، ويَسْلَمُ مِنْ عذابِها!
{حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}: يعني أنَّ (ليلةَ القدْرِ) تنتهِي بطلُوعِ الفجْرِ؛ لانتهَاءِ عمَلِ اللَّيلِ به." اهـ‍
*(20/ 345-344)، ط الأخيرة (1413هـ‍)، دار الوطن- دار الثّريّا.

= فكمْ ينبغي لنا أنْ نحرصَ في (العشْرِ الأواخرِ) علىٰ ألَّا ننشغِلَ، وألَّا يشغَلَ بعضُنا البعض عنْهَا؛ تحرِّيًا والتماسًا لهَا، وحرصًا على الفوزِ بأجرِها، قبلَ أن تَطلُعَ شَمسُها فنندمَ ولاتَ حينَ منْدَم!
نرجُو اللهَ الحيَّ القيّومَ أن يوفِّقَنا ويُقوّيَنا لإحيائِها على الوجْهِ الذي يُرضِيهِ عَنَّا، كما أحياهَا نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وعلىٰ آلِهِ وسلَّمَ..
اللهمَّ آمين...
الإثنين 19 رمضان المبارك 1436هـ‍